بالحطب وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله فاحذروا الكفر برسوله بعدما تبين لكم أنه رسول الله وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن قال تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * وكيف يقدر المخلوق من تراب أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه أن يأتي بكلام ككلام الكامل الذي له الكمال المطلق والغنى الواسع من جميع الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان ولا في قدرة الإنسان وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم وفي قوله: * (وإن كنتم في ريب) * إلى آخره دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه فهذا لا يمكن رجوعه لأنه ترك الحق بعدما تبين له ولم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه وكذلك الشاك الذي ليس بصادق في طلب الحق بل هو معرض غير مجتهد في طلبه فهذا في الغالب لا يوفق وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء فقال: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * وفي مقام الإنزال فقال: * (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) * وفي قوله: * (أعدت للكافرين) * ونحوها من الآيات دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها أيضا أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار لأنه قال: * (أعدت للكافرين) * فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم خلافا للخوارج والمعتزلة وفيه دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه وهو الكفر وأنواع المعاصي على اختلافها (25) * (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) * لما ذكر جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين أهل الأعمال الصالحات على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا فقال: * (وبشر) * أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] * (الذين آمنوا) * بقلوبهم * (وعملوا الصالحات) * بجوارحهم فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ووصفت أعمال الخير بالصالحات لأن بها تصلح أحوال العبد وأمور دينه ودنياه وحياته الدنيوية والأخروية ويزول بها عنه فساد الأحوال فيكون بذلك من الصالحين الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته فبشرهم * (أن لهم جنات) * أي: بساتين جامعة للأشجار العجيبة والثمار الأنيقة والظل المديد [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها وينعم فيها ساكنها * (تجري من تحتها الأنهار) * أي: أنهار الماء واللبن والعسل والخمر يفجرونها كيف شاؤوا ويصرفونها أين أرادوا وتسقى منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار * (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) * أي: هذا من جنسه وعلى وصفه كلها متشابهة في الحسن واللذة ليس فيها ثمرة خاصة وليس لهم وقت خال من اللذة فهم دائما متلذذون بأكلها وقوله: * (وأتوا به متشابها) * قيل: متشابها في الاسم مختلفا في الطعم وقيل: متشابها في اللون مختلفا في الاسم وقيل: يشبه بعضه بعضا في الحسن واللذة والفكاهة ولعل هذا هو الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم ذكر أزواجهم فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه وأوضحه فقال: * (ولهم فيها أزواج مطهرة) * فلم يقل مطهرة من
(٤٦)