تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٢
تعلم أن الله على كل شيء قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) * النسخ: هو النقل فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع إلى حكم آخر أو إلى إسقاطه وكان اليهود ينكرون النسخ ويزعمون أنه لا يجوز وهو مذكور عندهم في التوراة فإنكارهم له كفر وهوى محض فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ فقال ما ننسخ من آية * (أو ننسها) * أي: ننسها العباد فنزيلها من قلوبهم * (نأت بخير منها) * وأنفع لكم * (أو مثلها) * فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة التي سهل عليها دينها غاية التسهيل وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: * (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض) * فإذا كان مالكا لكم متصرفا فيكم تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام فالعبد مدبر مسخر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية فما له والاعتراض؟ وهو أيضا ولي عباده ونصيرهم فيتولاهم في تحصيل منافعهم وينصرهم في دفع مضارهم فمن ولايته لهم أن يشرع لهم من الأحكام ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده وإيصالهم إلى مصالحهم من حيث لا يشعرون بلطفه (108 - 110) * (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل * ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير * وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) * ينهى الله المؤمنين أو اليهود بأن يسألوا رسولهم * (كما سئل موسى من قبل) * والمراد بذلك أسئلة التعنت والاعتراض كما قال تعالى: * (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) * وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * فهذه ونحوها هي المنهي عنها وأما سؤال الاسترشاد والتعلم فهذا محمود قد أمر الله به كما قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * ويقررهم عليه كما في قوله: * (يسألونك عن الخمر والميسر) * و * (يسألونك عن اليتامى) * ونحو ذلك ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة قد تصل بصاحبها إلى الكفر قال: * (ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) * ثم أخبر عن حسد كثير من أهل الكتاب وأنهم بلغت بهم الحال أنهم ودوا * (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا) * وسعوا في ذلك وأعملوا المكايد وكيدهم راجع عليهم [كما] قال تعالى: * (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) * وهذا من حسدهم الصادر من عند أنفسهم فأمرهم الله بمقابلة من أساء إليهم غاية الإساءة بالعفو عنهم والصفح حتى يأتي الله بأمره ثم بعد ذلك أتى الله بأمره إياهم بالجهاد فشفى الله أنفس المؤمنين منهم فقتلوا من قتلوا واسترقوا من استرقوا وأجلوا من أجلوا * (إن الله على كل شيء قدير) * ثم أمرهم [الله] بالاشتغال في الوقت الحاضر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل كل القربات ووعدهم أنهم مهما فعلوا من خير فإنه لا يضيع عند الله بل يجدونه عنده وافرا موفرا قد حفظه * (إن الله بما تعملون بصير) * (111 - 112) * (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * أي: قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى فحكموا لأنفسهم بالجنة وحدهم وهذا مجرد أماني غير مقبولة إلا بحجة وبرهان فأتوا بها إن كنتم صادقين وهكذا كل من ادعى دعوى لا بد أن يقيم البرهان على صحة دعواه وإلا فلو قلبت عليه دعواه وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»