تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٠٦
جعل منهم هداة يهدون بأمره. وكان الإتيان بهذه الآية الكريمة، فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم، أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى، أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية. * (وقطعناهم) * أي: قسمناهم * (اثنتي عشرة أسباطا أمما) * أي: اثنتي عشرة قبيلة، متعارفة، متوالفة، كل بني رجل من أولاد يعقوب، قبيلة. * (وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه) * أي: طلبوا منه أن يدعو الله تعالى، أن يسقيهم ما يشربون منه، وتشرب منه مواشيهم، وذلك لأنهم والله أعلم في محل قليل الماء. فأوحى الله لموسى، إجابة لطلبهم * (أن اضرب بعصاك الحجر) * يحتمل أنه حجر معين، ويحتمل أنه اسم جنس، يشمل أي حجر كان، فضربه * (فانبجست) * أي: انفجرت من ذلك الحجر * (اثنتا عشرة عينا) * جارية سارحة. * (قد علم كل أناس مشربهم) * أي: قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة، وجعل لكم منهم عينا، فعلموها، واطمأنوا، واستراحوا من التعب والمزاحمة، وهذا من تمام نعمة الله عليهم. * (وظللنا عليهم الغمام) * فكان يسترهم من حر الشمس، * (وأنزلنا عليهم المن) * وهو الحلوى، * (والسلوى) * وهو لحم طير، من أحسن أنواع الطيور، وألذها، فجمع الله لهم، بين الظلال، والشراب، والطعام الطيب، من الحلوى واللحوم، على وجه الراحة والطمأنينة. وقيل لهم: * (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا) * حين لم يشكروا الله، ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم. * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث فوتوها كل خير، وعرضوها للشر والنقمة، وهذا كان مدة لبثهم في التيه. * (وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية) * أي: ادخلوها لتكون وطنا لكم ومسكنا، وهي (إيلياء) * (وكلوا منها حيث شئتم) * أي: قرية كانت كثيرة الأشجار، غزيرة الثمار، رغيدة العيش، فلذلك أمرهم الله أن يأكلوا منها حيث شاؤوا. * (وقولوا) * حين تدخلون الباب: * (حطة) * أي: احطط عنا خطايانا، واعف عنا. * (وادخلوا الباب سجدا) * أي: خاضعين لربكم، مستكينين لعزته، شاكرني لنعمته، فأمرهم بالخضوع، وسؤال المغفرة، ووعدهم على ذلك، مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل فقال: * (نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) * من خير الدنيا والآخرة، فلم يمتثلوا هذا الأمر الإلهي، بل خالفوا. * (فبدل الذين ظلموا منهم) * أي: عصوا الله واستهانوا بأمره * (قولا غير الذي قيل لهم) * فقالوا، بدل طلب المغفرة، وقولهم: * (حطة) *، (حبة في شعيرة)، وإذا بدلوا القول مع يسره وسهولته فتبديلهم للفعل من باب أولى، ولهذا دخلوا يزحفون على أستاههم. * (فأرسلنا عليهم) * حين خالفوا أمر الله وعصوه * (رجزا من السماء) * أي: عذابا شديدا، إما الطاعون وإما غيره، من العقوبات السماوية. وما ظلمهم الله بعقابه، وإنما كان ذلك * (بما كانوا يظلمون) *. * (واسألهم) * أي: اسأل بني إسرائيل * (عن القرية التي كانت حاضرة البحر) * أي: على ساحله، في حال تعديهم وعقاب الله إياهم. * (إذ يعدون في السبت) * وكان الله تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم الله، وامتحهنم، فكانت * (تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) * أي كثيرة طافية على وجه البحر. * (ويوم لا يسبتون) * أي: إذا ذهب يوم السبت * (لا تأتيهم) * أي: تذهب في البحر، فلا يرون منها شيئا * (كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) *، ففسقهم، هو الذي أوجب أن يبتليهم الله، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا، فلو لم يفسقوا، لعافاهم الله، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاءت يوم السبت، ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد، أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق. معظمهم، اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك. وفرقة أعلنت بنهيهم، والإنكار عليهم. وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم وقالوا: * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) *، كأنهم يقولون: لا فائدة في
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»