السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ول كن أكثر الناس لا يعلمون * قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) * يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: * (يسألونك) * أي: المكذبون لك، المتعنتون * (عن الساعة أيان مرساها) * أي: متى وقتها، الذي تجيء به، ومتى تحل بالخلق؟ * (قل إنما علمها عند ربي) * أي: إنه تعالى المختص بعلمها، * (لا يجليها لوقتها إلا هو) * أي: لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه، إلا هو. * (ثقلت في السماوات والأرض) * أي: خفي علمها على أهل السماوات والأرض، واشتد أمرها أيضا عليهم، فهم من الساعة مشفقون. * (لا تأتيكم إلا بغتة) * أي: فجأة من حيث لا يشعرون، لم يستعدوا لها، ولم يتهيأوا لها. * (يسألونك كأنك حفي عنها) * أي: هم حريصون على سؤالك عن الساعة، كأنك مستحف عن السؤال عنها، ولم يعلموا أنك لكمال علمك بربك، وما ينفع السؤال عنه غير مبال بالسؤال الخالي من المصلحة، المتعذر علمه، فإنه لا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب. وهي من الأمور التي أخفاها عن الخلق، لكمال حكمته، وسعة علمه. * (قل إنما علمها عند الله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم، ويدعون ما يجب عليهم، من العلم، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه، ولا هم مطالبون بعلمه. * (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا) * فإني فقير مدبر، لا يأتيني خير، إلا من الله، ولا يدفع عني الشر، إلا هو، وليس لي من العلم إلا ما علمني الله تعالى. * (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) * أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه. ولكني لعدم علمي قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني، من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أول دليل على أني لا علم لي بالغيب. * (إن أنا إلا نذير) * أنذر بالعقوبات الدينية والدنيوية، والأخروية، وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك، وأحذر منها. * (وبشير) * بالثواب العاجل، ببيان الأعمال الموصلة إليه، والترغيب فيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة، وإنما ينتفع بذلك، ويقبله المؤمنون. وهذه الآيات الكريمات، مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع، أو دفع ضر. فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه الله، ولا يدفع الضر، عمن لم يدفعه الله عنه، ولا له من العلم، إلا ما علمه الله، وإنما ينفع من قبل ما أرسل به، من البشارة والنذارة، وعمل بذلك. فهذا نفعه عليه السلام، الذي فاق نفع الآباء والأمهات، والأخلاء والإخوان، بما حث العباد على كل خير، وحذرهم عن كل شر، وفيه لهم، غاية البيان والإيضاح. * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين * فلما آتاهما صالحا جعلا له شركآء فيمآ آتاهما فتعالى الله عما يشركون * أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) * أي: * (هو الذي خلقكم) * أيها الرجال والنساء، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم. * (من نفس واحدة) * وهو: آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم. * (وجعل منها زوجها) * أي: خلق من آدم زوجته حواء * (ليسكن إليها) * لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة، ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر، فانقاد كل منهما إلى صاحبه، بزمام الشهوة. * (فلما تغشاها) * أي تجللها مجامعا لها قدر الباري أن يوجد من تلك الشهوة، وذلك الجماع، النسل، وحينئذ * (حملت حملا خفيفا) * وذلك في ابتداء الحمل، لا تحس به الأنثى، ولا يثقلها. * (فلما) * استمرت و * (أثقلت) * به حين كبر في بطنها، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد، وعلى خروجه حيا، صحيحا، سالما لا آفة فيه. لذلك * (دعوا الله ربهما لئن آتيتنا) * (ولدا) * (صالحا) * أي: صالح
(٣١١)