المبالاة، بما جاء به موسى: * (يا موسى إما أن تلقي) * ما معك * (وإما أن نكون نحن الملقين) *. * (قال) * موسى: * (ألقوا) * لأجل أن يرى الناس ما معهم، وما مع موسى. * (فلما ألقوا) * حبالهم وعصيهم، إذا هي من سحرهم، كأنها حيات تسعى، وبذلك * (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم) * لم يوجد له نظير من السحر. * (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) * فألقاها * (فإذا هي) * حية تسعى، و * (تلقف جميع ما يأفكون) * أي: يكذبون به ويموهون. * (فوقع الحق) * أي: تبين وظهر، واستعلن في ذلك المجمع، * (وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك) * أي في ذلك المقام، * (وانقلبوا صاغرين) * أي: حقيرين، قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله. وأعظم من تبين له الحق العظيم أهل الصنف والسحر، الذين يعرفون من أنواع السحر وجزئياته، ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات الله، لا يدان لأحد بها. * (وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) * أي: وصدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات. * (قال) * لهم * (فرعون) * متهددا لهم على الإيمان: * (آمنتم به قبل أن آذن لكم) * كان الخبيث حاكما مستبدا على الأديان والأقوال، قد تقرر عنده وعندهم أن قوله هو المطاع، وأمره نافذ فيهم، ولا خروج لأحد عن قوله وحكمه. وبهذه الحالة تنحط الأمم، وتضعف عقولها ونفوذها، وتعجز عن المدافعة عن حقوقها، ولهذا قال الله عنه: * (فاستخف قومه فأطاعوه) *، وقال هنا: * (آمنتم به قبل أن آذن لكم) * أي: فهذا سوء أدب منكم وتجرؤ علي. ثم موه على قومه وقال: * (إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها) *، أي: إن موسى كبيركم الذي علمكم السحر، فتواطأتم أنتم وهو، على أن تنغلبوا له، فيظهر، فتتبعوه، ثم يتبعكم الناس أو جمهورهم، فتخرجوا منها أهلها. وهذا كذب يعلم هو، ومن سير الأحوال، أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يجتمع بأحد منهم، وأنهم جمعوا على نظر فرعون ورسله، وأن ما جاء به موسى، آية إلهية، وأن السحرة قد بذلوا مجهودهم في مغالبة موسى، حتى عجزوا، وتبين لهم الحق، فاتبعوه. ثم توعدهم فرعون بقوله: * (فسوف تعلمون) * ما أحل بكم من العقوبة. * (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) * زعم الخبيث أنهم مفسدون في الأرض، وسيصنع بهم ما يصنع بالمفسدين، من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أي: اليد اليمنى والرجل اليسرى. * (ثم لأصلبنكم) * في جذوع النخل، لتختزوا بزعمه * (أجمعين) * أي: لا أفعل هذا الفعل بأحد دون أحد، بل كلكم سيذوق هذا العذاب. فقال السحرة، الذين آمنوا لفرعون حين تهددهم: * (إنا إلى ربنا منقلبون) * أي: فلا نبالي بعقوبتك، فالله خير وأبقى، فاقض ما أنت قاض. * (وما تنقم منا) * أي: وما تعيب منا على إنكارك علينا، وتوعدك لنا؟ فليس لنا ذنب * (إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا) * فإن كان هذا ذنبا يعاب عليه، ويستحق صاحبه العقوبة، فهو ذنبنا. ثم دعوا الله أن يثبتهم ويصبرهم فقالوا: * (ربنا أفرغ) * أفض * (علينا صبرا) * أي: عظيما، كما يدل عليه التنكير، لأن هذه محنة عظيمة، تؤدي إلى ذهاب النفس، فيحتاج فيها من الصبر إلى شيء كثير، ليثبت الفؤاد، ويطمئن المؤمن على إيمانه، ويزول عنه الانزعاج الكثير. * (وتوفنا مسلمين) * أي: منقادين لأمرك، متبعين لرسولك، والظاهر أنه أوقع بهم ما توعدهم عليه، وأن الله تعالى ثبتهم على الإيمان. هذا، وفرعون وملأه وعامتهم المتبعون للملأ، قد استكبروا عن آيات الله، وجحدوا بها، ظلما وعلوا، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى، وزاعمين أن ما جاء به باطل وفساد: * (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) * بالدعوة إلى الله، وإلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، التي هي الصلاح في الأرض، وما هم عليه هو الفساد، ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون. * (ويذرك وآلهتك) * أي: يدعك أنت وآلهتك، وينهى عنك، ويصد الناس عن اتباعك. * (قال) * فرعون مجيبا لهم، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى، بحالة لا ينمون فيها، ويأمن فرعون وقومه بزعمه من ضررهم: * (سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم) * أي: نستبقيهن فلا نقتلهن، فإذا فعلنا ذلك، أمنا من كثرتهم، وكنا مستخدمين لباقيهم، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال. * (وإنا فوقهم قاهرون) * لا خروج لهم عن حكمنا، ولا قدرة، وهذا نهاية الجبروت والعتو والقسوة من فرعون. * (قال موسى لقومه) * موصيا لهم في هذه الحالة، التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة إلا بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: * (استعينوا بالله) * أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا بالله، أنه سيتم أمركم * (واصبروا) * أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج. * (إن الأرض لله) * ليست لفرعون ولا لقومه، حتى يتحكموا فيها. * (يورثها
(٣٠٠)