وخصصتك بفضائل عظيمة، ومناقب جليلة، * (برسالاتي) * التي لا أجعلها، ولا أخص بها، إلا أفضل الخلق. * (وبكلامي) * إياك من غير واسطة، وهذه فضيلة، اختص بها موسى الكليم، وعرف بها من بين إخوانه من المرسلين، * (فخذ ما آتيتك) * من النعم، وخذ ما آتيتك، من الأمر والنهي، بانشراح صدر، وتلقه بالقبول والانقياد، * (وكن من الشاكرين) * لله، على ما خصك وفضلك. * (وكتبنا له في الألواح من كل شيء) * يحتاج إليه العباد و * (موعظة) * ترغب النفوس في أفعال الخير، وترهبهم من أفعال الشر، * (وتفصيلا لكل شيء) * من الأحكام الشرعية، والعقائد والأخلاق، والآداب. * (فخذها بقوة) * أي: بجد واجتهاد على إقامتها، * (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) * وهي الأوامر الواجبة، والمستحبة، فإنها أحسنها، وفي هذا دليل على أن أوامر الله في كل شريعة كاملة، عادلة، حسنة. * (سأوريكم دار الفاسقين) * بعدما أهلكهم الله، وأبقى ديارهم عبرة بعدهم، يعتبر بها المؤمنون الموفقون المتواضعون. وأما غيرهم، فقال عنهم: * (سأصرف عن آياتي) * أي عن الاعتبار في الآيات الأفقية، والنفسية، والفهم لآيات الكتاب * (الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) *، أي: يتكبرون على عباد الله، وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرمه الله خيرا كثيرا، وخذله، ولم يفقه من آيات الله، ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح. * (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) * لإعراضهم، واعتراضهم، ومحادتهم لله ورسوله، * (وإن يروا سبيل الرشد) * أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته. * (لا يتخذوه) * أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه * (سبيلا) * * (وإن يروا سبيل الغي) * أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء * (يتخذوه سبيلا) *، والسبب في انحرافهم هذا الانحراف * (ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) *، فردهم لآيات الله، وغفلتهم عما يراد بها، واحتقارهم لها هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد، ما أوجب. * (والذين كذبوا بآياتنا) * العظيمة الدالة على صحة ما أرسلنا به رسلنا. * (ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم) * لأنها على غير أساس، وقد فقد شرطها وهو، الإيمان بآيات الله، والتصديق بجزائه. * (هل يجزون) * في بطلان أعمالهم، وحصول ضد مقصودهم * (إلا ما كانوا يعملون) * فإن أعمال من لا يؤمن باليوم الآخر، لا يرجو فيها ثوابا، وليس لها غاية تنتهي إليها، فلذلك اضمحلت وبطلت. * (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا) * صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار * (له خوار) * وصوت فعبدوه، واتخذوه إلها. * (وقال هذا إلهكم وإله موسى) * فنسي موسى، وذهب يطلبه، وهذا من سفههم، وقلة بصيرتهم، كيف اشتبه عليهم، رب الأرض والسماوات، بعجل من أنقص المخلوقات؟ ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية، ولا الفعلية، ما يوجب أن يكون إلها، * (ألم يروا أنه لا يكلمهم) * أي:
وعدم الكلام، نقص عظيم، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد، الذي لا يتكلم * (ولا يهديهم سبيلا) * أي: لا يدلهم طريقا دينيا، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية، لأن من المتقرر في العقول والفطر، أن اتخاذ إله لا يتكلم، ولا ينفع، ولا يضر، من أبطل الباطل، وأسمج السفه، ولهذا قال: * (اتخذوه وكانوا ظالمين) * حيث وضعوا العبادة في غير موضعها، وأشركوا بالله، ما لم ينزل به سلطانا، وفيها دليل على أن من أنكر كلام الله، فقد أنكر خصائص إلهية الله تعالى، لأن الله ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية. * (ولما) * رجع موسى إلى قومه، فوجدهم على هذه الحال، وأخبرهم بضلالهم، ندموا * (وسقط في أيديهم) * أي: من الهم والندم على فعلهم، * (ورأوا أنهم قد ضلوا) * فتنصلوا، إلى الله وتضرعوا * (وقالوا: لئن لم يرحمنا ربنا) * فيدلنا عليه، ويرزقنا عبادته، ويوفقنا لصالح الأعمال، * (ويغفر لنا) * ما صدر منا من عبادة العجل، * (لنكونن من الخاسرين) * الذين خسروا الدنيا والآخرة. * (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) * أي: ممتلئا غضبا وغيظا عليهم، لتمام غيرته عليه السلام، وكمال نصحه وشفقته، * (قال بئسما خلفتموني من بعدي) * أي: بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي. * (أعجلتم أمر ربكم) * حيث وعدكم بإنزال الكتاب. فبادرتم برأيكم الفاسد إلى هذه الخصلة القبيحة. * (وألقى الألواح) * أي: رماها من الغضب * (وأخذ برأس أخيه) * هارون ولحيته * (يجره إليه) * وقال له: * (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، أن لا تتبعني أفعصيت أمري) * لك بقولي: * (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) *. * (قال يا ابن أم لا