تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، ولم ترقب قولي) * (و) * (قال) * (هنا) * (ابن أم) * هذا ترقيق لأخيه، بذكر الأم وحدها، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه. * (إن القوم استضعفوني) * أي: احتقروني حين قلت لهم: * (يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن، فاتبعوني وأطيعوا أمري) * () * (وكادوا يقتلونني) * أي: فلا تظن بي تقصيرا * (فلا تشمت بي الأعداء) * بنهرك لي، ومسكك إياي بسوء، فإن الأعداء، حريصون على أن يجدوا علي عثرة، أو يطلعوا لي على زلة، * (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) * فتعاملني معاملتهم. فندم موسى عليه السلام على ما استعجل من صنعه بأخيه، قبل أن يعلم براءته، مما ظنه فيه من التقصير، و * (قال رب اغفر لي ولأخي) * (هارون) * (وأدخلنا في رحمتك) * أي: في وسطها، واجعل رحمتك تحيط بنا من كل جانب، فإنها حصن حصين، من جميع الشرور، وثم كل خير وسرور. * (وأنت أرحم الراحمين) * أي: أرحم بنا من كل راحم، أرحم بنا من آبائنا، وأمهاتنا، وأولادنا، وأنفسنا. قال الله تعالى مبينا حال أهل العجل الذين عبدوه: * (إن الذين اتخذوا العجل) * (إلها) * (سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا) * كما أغضبوا ربهم واستهانوا بأمره. * (وكذلك نجزي المفترين) * فكل مفتر على الله، كاذب على شرعه، متقول عليه ما لم يقل، فإن له نصيبا من الغضب، من الله، والذل في الحياة الدنيا، وقد نالهم غضب الله، حيث أمرهم أن يقتلوا أنفسهم، وأنه لا يرضى الله عنهم إلا بذلك. فقتل بعضهم بعضا، وانجلت المعركة، عن كثير من القتلى ثم تاب الله عليهم بعد ذلك، ولهذا ذكر حكما عاما يدخلون فيه وغيرهم فقال: * (والذين عملوا السيئات) * من شرك، وكبائر، وصغائر * (ثم تابوا من بعدها) * بأن ندموا على ما مضى، وأقلعوا عنه، وعزموا على أن لا يعودوا * (وآمنوا) * بالله، وبما أوجب الله من الإيمان به، ولا يتم الإيمان إلا بأعمال القلوب، وأعمال الجوارح المترتبة على الإيمان * (إن ربك من بعدها) * أي: بعد هذه الحالة، حالة التوبة من السيئات والرجوع إلى الطاعات، * (لغفور) * يغفر السيئات ويمحوها، ولو كانت ملء قراب الأرض، * (رحيم) * بقبول التوبة، والتوفيق لأفعال الخير وقبولها. * (ولما سكت عن موسى الغضب) * أي: سكن غضبه، وتراجعت نفسه، وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده، ف * (أخذ الألواح) * التي ألقاها، وهي ألواح عظيمة المقدار، جليلة * (وفي نسختها) * أي: مشتملة ومتضمنة * (هدى ورحمة) * أي: فيها الهدى من الضلالة، وبيان الحق من الباطل، وأعمال الخير، وأعمال الشر، والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب، ورحمة وسعادة، لمن عمل بها، وعلم أحكامها ومعانيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى الله ورحمته، وإنما يقبل ذلك وينقاد ذلك له، ويتلقاه بالقبول * (الذين هم لربهم يرهبون) *، أي: يخافون منه ويخشونه. وأما من لم يخف الله، ولا المقام بين يديه، فإنه لا يزداد بها، إلا عتوا ونفورا، وتقوم عليه حجة الله فيها. * (و) * لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم * (اختار موسى قومه) * أي: منهم * (سبعين رجلا) * من خيارهم، ليعتذروا لقومهم عند ربهم، ووعدهم الله ميقاتا يحضرون فيه، فلما حضروه، قالوا: * (يا موسى، أرنا الله جهرة) * فتجرأوا على الله جراءة كبيرة، وأساؤوا الأدب معه، ف * (أخذتهم الرجفة) * فصعقوا وهلكوا. فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام، يتضرع إلى الله ويتبتل * (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) * أن يحضروا ويكونوا في حالة يعتذرون فيها لقومهم، فصاروا هم الظالمين. * (وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * أي: ضعفاء العقول، سفهاء الأحلام، فتضرع إلى الله، واعتذر بأن المجترئين على الله، ليس لهم عقول كاملة، تردعهم عما قالوا وفعلوا، وبأنهم حصل لهم فتنة يخطر بها الإنسان، ويخاف من ذهاب دينه فقال: * (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) * أي: أنت خير من غفر، وأولى من رحم، وأكرم من أعطى، وتفضل. فكأن موسى عليه الصلاة والسلام، قال: المقصود يا رب بالقصد الأول لنا كلنا، هو التزام طاعتك، والإيمان بك، وأن من حضره عقله ورشده، وتم على ما وهبته من التوفيق، فإنه لم يزل مستقيما، وأما من ضعف عقله، وسفه رأيه، وصرفته الفتنة، فهو الذي فعل ما فعل، لذلك السببين، ومع هذا، فأنت أرحم الراحمين، وخير الغافرين، فاغفر لنا وارحمنا. فأجاب الله سؤاله، وأحياهم من بعد موتهم، وغفر لهم
(٣٠٤)