تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٩٦
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *. وقد تقدم أنه لا يجوز تفسير كتاب الله بالأخبار الإسرائيلية، ولو على تجويز الرواية عنهم، بالأمور التي لا يجزم بكذبها، فإن معاني كتاب الله، يقينية، وتلك أمور، لا تصدق ولا تكذب، فلا يمكن اتفاقهما. * (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * أي: * (و) * (اذكر عبدنا) * (لوطا) * عليه الصلاة والسلام، إذ أرسلناه إلى قومه، يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن الفاحشة، التي ما سبقهم بها أحد من العالمين، * (قال أتأتون الفاحشة) * أي: الخصلة التي بلغت في العظم والشناعة إلى أن استغرقت أنواع الفحش. * (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) * فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها، وابتكروها، وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضا. ثم بينها بقوله: * (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء) * أي: كيف تذرون النساء، التي خلقهن الله لكم، وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة، وتقبلون على أدبار الرجال، التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث، وهي تخرج منه الأنتان والأخباث، التي يستحيي من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها. * (بل أنتم قوم مسرفون) * أي: متجاوزون لما حده الله متجرئون على محارمه. * (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * أي: يتنزهون عن فعل الفاحشة. * (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) *. * (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) * أي: الباقين المعذبين، أمره الله أن يسري بأهله ليلا، فإن العذاب مصبح قومه، فسرى بهم، إلا امرأته أصابها ما أصابهم. * (84) * (وأمطرنا عليهم مطرا) * أي: حجارة حارة شديدة، من سجيل، وجعل الله عاليها سافلها، * (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * الهلاك والخزي الدائم. * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين * ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين * وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطآئفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين * قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يشعيب والذين آمنوا معك من قريتنآ أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيهآ إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين * وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين * فتولى عنهم وقال يقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين) * أي: * (و) * أرسلنا * (إلى مدين) * القبيلة المعروفة * (أخاهم) * في النسب * (شعيبا) * يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويأمرهم بإيفاء المكيال والميزان: وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم، وأن لا يعثوا في الأرض مفسدين، بالإكثار من عمل المعاصي، ولهذا قال: * (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) *، فإن ترك المعاصي، امتثالا لأمر الله، وتقربا إليه خير، وأنفع للعبد، من ارتكابها الموجب لسخط الجبار، وعذاب النار. * (ولا تقعدوا) * للناس * (بكل صراط) * أي: طريق من الطرق، التي يكثر سلوكها، تحذرون الناس منها * (توعدون) * من سلوكها * (وتصدون عن سبيل الله من آمن به) * أي من أراد الاهتداء به * (وتبغونها عوجا) * أي: تبغون سبيل الله تكون معوجة، وتميلونها، اتباعا لأهوائكم. وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم، الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها الله لعباده ليسلكوها إلى مرضاته، ودار كرامته، ورحمهم بها أعظم رحمة، وتصدون لنصرتها، والدعوة إليها، والذب عنها، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها، الصادين الناس عنها، فإن هذا كفر لنعمة الله، ومحادة لله، وجعل أقوم الطرق وأعدلها، ماثلة، وتشنعون على من سلكها. * (واذكروا) * نعمة الله عليكم * (إذ كنتم قليلا فكثركم) * أي: نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات، والنسل، والصحة. وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض، بل أنعم عليكم، باجتماعكم. وإدرار الأرزاق، وكثرة النسل. * (وانظر كيف كان عاقبة المفسدين) * فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات، ولا في ربوعهم، إلا الوحشة والانبتات. ولم يورثوا ذكرا حسنا، بل أتبعوا في هذه الدنيا، لعنة، ويوم القيامة خزيا وفضيحة. * (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا) * وهم الجمهور منهم. * (فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) * فينصر المحق، ويوقع العقوبة على المبطل. * (قال الملأ الذين استكبروا من قومه) * وهم الأشراف، والكبراء منهم، الذين اتبعوا أهواءهم، ولهوا بلذاتهم. فلما أتاهم الحق، ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه، واستكبروا عنه. فقالوا لنبيهم شعيب، ومن معه من المؤمنين المستضعفين: * (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) *، استعملوا قوتهم السبعية، في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينا، ولا ذمة، ولا حقا، وإنما راعوا، واتبعوا أهواءهم، وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد، فقالوا: إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا. ف (شعيب) عليه الصلاة والسلام، كان يدعوهم، طامعا في إيمانهم، والآن لم يسلم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم. * (قال) * لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم: * (أو لو كنا كارهين) * أي: أن تابعكم على دينكم وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يدعى إليها، من له نوع رغبة فيها، أما من يعلن بالنهي عنها، والتشنيع على من اتبعها فكيف
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 299 300 ... » »»