تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٤١
ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها ويتيقنونها وإن لم يفهموا كيفيتها ثم قال: * (ويقيمون الصلاة) * لم يقل: يفعلون الصلاة أو يأتون بالصلاة لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة فإقامة الصلاة إقامتها ظاهرا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها وإقامتها باطنا بإقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقوله ويفعله منها فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * وهي التي يترتب عليها الثواب فلا ثواب للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها ثم قال: * (ومما رزقناهم ينفقون) * يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير ولم يذكر المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله ولأن النفقة من حيث هي قربة إلى الله وأتى ب من الدالة على التبعيض لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم غير ضار لهم ولا مثقل بل ينتفعون هم بإنفاقه وينتفع به إخوانهم وفي قوله: * (رزقناهم) * إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم فكما أنعم به عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه فلا إخلاص ولا إحسان ثم قال: * (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) * وهو القرآن والسنة قال تعالى: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) * فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه إما بجحده أو تأويله على غير مراد الله ورسوله كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناها وإن صدقوا بلفظها فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا وقوله * (وما أنزل من قبلك) * يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه خصوصا التوراة والإنجيل والزبور وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم ثم قال: * (وبالآخرة هم يوقنون) * والآخرة: اسم لما يكون بعد الموت وخصه [بالذكر] بعد العموم لأن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل واليقين: هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل * (أولئك) * أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة * (على هدى من ربهم) * أي: على هدى عظيم لأن التنكير للتعظيم وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة وهل الهداية [الحقيقة] إلا هدايتهم وما سواها [مما خالفها] فهو ضلالة وأتى ب على في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء وفي الضلالة يأتي ب في كما في قوله: * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى مرتفع به وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر ثم قال: * (وأولئك هم المفلحون) * والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسارة التي تفضي بسالكها إلى الهلاك فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم المعاندين للرسول فقال: (6 - 7) * (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) * يخبر تعالى أن الذين كفروا أي: اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازما لا يردعهم عنه رادع ولا ينجع فيهم وعظ إنهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول أو جحد بعضه فهؤلاء الكفار لا تفيدهم
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»