نطهرها بالأخلاق الجميلة كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ونطهرها من الأخلاق الرذيلة قال الله تعالى للملائكة: * (إني أعلم) * من هذا الخليفة * (ما لا تعلمون) *؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم وأنا عالم بالظواهر والسرائر وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولتظهر آياته لخلقه ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه واتصف به فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض أراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله وكمال حكمة الله وعلمه ف * (علم آدم الأسماء كلها) * أي: أسماء الأشياء ومن هو مسمى بها فعلمه الاسم والمسمى أي: الألفاظ والمعاني حتى المكبر من الأسماء كالقصعة والمصغر كالقصيعة * (ثم عرضهم) * أي: عرض المسميات * (على الملائكة) * امتحانا لهم هل يعرفونها أم لا؟
* (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) * في قولكم وظنكم أنكم أفضل من هذا الخليفة * (قالوا سبحانك) * أي: ننزهك عن الاعتراض منا عليك ومخالفة أمرك * (لا علم لنا) * بوجه من الوجوه * (إلا ما علمتنا) * إياه فضلا منك وجودا * (إنك أنت العليم الحكيم) * العليم الذي أحاط علما بكل شيء فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ولا يشذ عنها مأمور فما خلق شيئا إلا لحكمة ولا أمر بشيء إلا لحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه اللائق به فأقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته وقصورهم عن معرفة أدنى شيء واعترافهم بفضل الله عليهم وتعليمه إياهم ما لا يعلمون فحينئذ قال الله: * (يا آدم أنبئهم بأسمائهم) * أي: أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها * (فلما أنبأهم بأسمائهم) * تبين للملائكة فضل آدم عليهم وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة * (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) * وهو ما غاب عنا فلم نشاهده فإذا كان عالما بالغيب فالشهادة من باب أولى * (وأعلم ما تبدون) * أي: تظهرون * (وما كنتم تكتمون) * ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم إكراما له وتعظيما وعبودية لله تعالى فامتثلوا أمر الله وبادروا كلهم بالسجود * (إلا إبليس أبى) * امتنع عن السجود واستكبر عن أمر الله وعلى آدم قال: * (أأسجد لمن خلقت طينا) * وهذا الإباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى وأنه لم يزل متكلما يقول ما شاء ويتكلم بما شاء وأنه عليم حكيم وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم واتهام عقله والإقرار لله بالحكمة وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة وإحسانه بهم بتعليمهم ما جهلوا وتنبيههم على ما لم يعلموه وفيه فضيلة العلم من وجوه: منها: أن الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته ومنها: أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم وأنه أفضل صفة تكون في العبد ومنها: أن الله أمرهم بالسجود لآدم إكراما له لما بان فضل علمه ومنها: أن الامتحان للغير إذا عجزوا عما امتحنوا به ثم عرفه صاحب الفضيلة فهو أكمل مما عرفه ابتداء ومنها: الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن وبيان فضل آدم وإفضال الله عليه وعداوة إبليس له إلى غير ذلك من العبر (35 - 36) * (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) * لما خلق الله آدم وفضله أتم نعمته عليه بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها ويستأنس بها وأمرهما بسكنى الجنة والأكل منها * (رغدا) * أي: واسعا هنيئا * (حيث شئتما) * أي: من أي أصناف الثمار والفواكه وقال الله له: * (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) * * (ولا تقربا هذه الشجرة) * نوع من أنواع شجر الجنة الله أعلم بها وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء [أو لحكمة غير معلومة لنا) * (فتكونا من الظالمين) * دل على أن النهي للتحريم لأنه رتب عليه الظلم فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه حتى أزلهما أي: حملهما على الزلل بتزيينه * (وقاسمهما) * بالله * (إني لكما لمن الناصحين) * فاغترا به وأطاعاه فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة