* (بعضكم لبعض عدو) * أي: آدم وذريته أعداء لإبليس وذريته ومن المعلوم أن العدو يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق وحرمانه الخير بكل طريق ففي ضمن هذا تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) * * (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) * ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض فقال: * (ولكم في الأرض مستقر) * أي: مسكن وقرار * (ومتاع إلى حين) * انقضاء آجالكم ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها وخلقت لكم ففيها إن مدة هذه الحياة مؤقتة عارضة ليست مسكنا حقيقيا وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار ولا تعمر للاستقرار (37) * (فتلقى آدم) * أي: تلقف وتلقن وألهمه الله * (من ربه كلمات) * وهي قوله: * (ربنا ظلمنا أنفسنا) * الآية فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته * (فتاب) * الله * (عليه) * ورحمه * (إنه هو التواب) * لمن تاب إليه وأناب وتوبته نوعان: توفيقه أولا ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيا * (الرحيم) * بعباده ومن رحمته بهم أن وفقهم للتوبة وعفا عنهم وصفح (38 - 39) * (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * كرر الإهباط ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله: * (فإما يأتينكم مني هدى) * أي: أي وقت وزمان جاءكم مني - يا معشر الثقلين - هدى أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني ويدنيكم من رضائي * (فمن تبع هداي) * منكم بأن آمن برسلي وكتبي واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب والامتثال للأمر والاجتناب للنهي * (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * وفي الآية الأخرى: * (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) * فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن وإن كان منتظرا أحدث الخوف فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا حصل ضدهما وهو الأمن التام وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى وانتفى عنه كل مكروه من الخوف والحزن والضلال والشقاء فحصل له المرغوب واندفع عنه المرهوب وهذا عكس من لم يتبع هداه فكفر به وكذب بآياته ف * (أولئك أصحاب النار) * أي: الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه والغريم لغريمه * (هم فيها خالدون) * لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون وفي هذه الآيات وما أشبهها انقسام الخلق من الجن والإنس إلى أهل السعادة وأهل الشقاوة وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب كما أنهم مثلهم في الأمر والنهي ثم شرع تعالى يذكر بني إسرائيل نعمه شرع عليهم وإحسانه فقال: (40 - 43) * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) * * (يا بني إسرائيل) * المراد بإسرائيل: يعقوب عليه السلام والخطاب مع فرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها ويدخل فيهم من أتى من بعدهم فأمرهم بأمر عام فقال: * (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها والمراد بذكرها بالقلب اعترافا وباللسان ثناء وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه * (وأوفوا بعهدي) * وهو ما عهده إليهم من الإيمان به وبرسله وإقامة شرعه * (أوف بعهدكم) * وهو المجازاة على ذلك والمراد بذلك: ما ذكره الله في قوله: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي) * إلى قوله: * (فقد ضل سواء السبيل) * ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده وهو الرهبة منه تعالى وخشيته وحده فإن من خشية أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه ثم أمرهم بالأمر الخاص الذي لا يتم إيمانهم ولا يصح إلا به فقال: * (وآمنوا بما أنزلت) * وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالإيمان به واتباعه ويستلزم ذلك الإيمان بمن أنزل عليه وذكر الداعي لإيمانهم به فقال: * (مصدقا لما معكم) * أي: موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب غير مخالف لها فلا مانع لكم من الإيمان به لأنه جاء بما جاءت به المرسلون فأنتم أولى من آمن به وصدق به لكونكم أهل الكتب والعلم وأيضا فإن في قوله: * (مصدقا لما معكم) * إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به عاد ذلك عليكم بتكذيب ما معكم لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء فتكذيبكم له تكذيب لما معكم وأيضا فإن في الكتب التي بأيديكم صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به فإن لم تؤمنوا به كذبتم ببعض ما أنزل إليكم ومن كذب
(٥٠)