* (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) * وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق؛ وقاموا بها أتم القيام وأما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي وهو: الإفساد في الأرض ف أولئك) * أي: من هذه صفته * (هم الخاسرون) * في الدنيا والآخرة فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له وهذا الخسار هو خسار الكفر وأما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر) * فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وحقيقته فوات الخير الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه (28) ثم قال تعالى: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) * هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم؛ وأنعم عليكم بأصناف النعم ثم يميتكم عند استكمال آجالكم ويجازيكم في القبور ثم يحييكم بعد البعث والنشور ثم إليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى فإذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره وتحت أوامره الدينية ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي أفيليق بكم أن تكفروا به وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه (29) * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * أي: خلق لكم برا بكم ورحمة جميع ما على الأرض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة لأنها سيقت في معرض الامتنان يخرج بذلك الخبائث فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية ومعرفة المقصود منها وأنه خلقها لنفعنا فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك ومن تمام نعمته منعنا من الخبائث تنزيها لنا وقوله: * (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) * * (استوى) *: ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف فيكون معناها الكمال والتمام كما في قوله عن موسى: * (ولما بلغ أشده واستوى) * وتارة تكون بمعنى علا وارتفع وذلك إذا عديت ب على كما في قوله تعالى: * (ثم استوى على العرش) * * (لتستووا على ظهوره) * وتارة تكون بمعنى قصد كما إذا عديت ب إلى كما في هذه الآية أي: لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات * (فسواهن سبع سماوات) * فخلقها وأحكمها وأتقنها * (وهو بكل شيء عليم) * ف يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) * و * (يعلم ما تسرون وما تعلنون) * يعلم السر وأخفى وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية وكما في قوله تعالى: * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * لأن خلقه للمخلوقات أدل دليل على علمه وحكمته وقدرته (30 - 34) * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) * هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك وأن الله مستخلفه في الأرض فقالت الملائكة عليهم السلام * (أتجعل فيها من يفسد فيها) * بالمعاصي * (ويسفك الدماء) * [وهذا تخصيص بعد تعميم لبيان [شدة] مفسدة القتل وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك فنزهوا الباري عن ذلك وعظموه وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: * (ونحن نسبح بحمدك) * أي: ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك * (ونقدس لك) * يحتمل أن معناها: ونقدسك فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص ويحتمل أن يكون: ونقدس لك أنفسنا أي:
(٤٨)