العيب الفلاني ليشمل جميع أنواع التطهير فهن مطهرات الأخلاق مطهرات الخلق مطهرات اللسان مطهرات الأبصار فأخلاقهن أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل والأدب القولي والفعلي ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط والمخاط والبصاق والرائحة الكريهة ومطهرات الخلق أيضا بكمال الجمال فليس فيهن عيب ولا دمامة خلق بل هن خيرات حسان مطهرات اللسان والطرف قاصرات طرفهن على أزواجهن وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح ففي هذه الآية الكريمة ذكر المبشر والمبشر والمبشر به والسبب الموصل لهذه البشارة فالمبشر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته والمبشر: هم المؤمنون العاملون الصالحات والمبشر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات والسبب الموصل لذلك هو الإيمان والعمل الصالح فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة إلا بهما وهذا أعظم بشارة حاصلة على يد أفضل الخلق بأفضل الأسباب وفيه استحباب بشارة المؤمنين وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها] فإنها بذلك تخف وتسهل وأعظم بشرى حاصلة للإنسان توفيقه للإيمان والعمل الصالح فذلك أول البشارة وأصلها ومن بعده البشرى عند الموت ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم نسأل الله أن يجعلنا منهم (26 - 27) * (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) * يقول تعالى: * (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما أي) * أي مثل كان * (بعوضة فما فوقها) * لاشتمال الأمثال على الحكمة وإيضاح الحق والله لا يستحيي من الحق وكأن في هذا جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة واعترض على الله في ذلك فليس في ذلك محل اعتراض بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر ولهذا قال: * (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) * فيتفهمونها ويتفكرون فيها فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ازداد بذلك علمهم وإيمانهم وإلا علموا أنها حق وما اشتملت عليه حق وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة * (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) * فيعترضون ويتحيرون فيزدادون كفرا إلى كفرهم كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ولهذا قال: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية قال تعالى: * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) * فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم ولقوم منحه [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية والإضلال ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: * (وما يضل به إلا الفاسقين) * أي: الخارجين عن طاعة الله؛ المعاندين لرسل الله؛ الذين صار الفسق وصفهم فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان كالمذكور في هذه الآية ونحوها ونوع غير مخرج عن الإيمان كما في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * [الآية] ثم وصف الفاسقين فقال: * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه؛ والذي بينهم وبين عباده؛ الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق
(٤٧)