لكم أنه لأجل انتفاعكم، وانتفاع رفقتكم، الذين يسيرون معكم. * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) *. ويؤخذ من لفظ (الصيد) أنه لا بد أن يكون وحشيا لأن الإنسي ليس بصيد. ومأكولا، فإن غير المأكول، لا يصاد، ولا يطلق عليه اسم الصيد. * (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * أي: اتقوه بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه. واستعينوا على تقواه بعلمكم أنكم إليه تحشرون. فيجازيكم، هل قمتم بتقواه فيثيبكم الثواب الجزيل، أم لم تقوموا، فيعاقبكم؟ * (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم * اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * يخبر تعالى، أنه جعل * (الكعبة البيت الحرام قياما للناس) *. يقوم، بالقيام بتعظيمه، دينهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتحصل لهم بقصده العطايا الجزيلة، والإحسان الكثير. وبسببه تنفق الأموال، وتقتحم من أجله الأهوال. ويجتمع فيه، من كل فج عميق، جميع أجناس المسلمين، فيتعارفون، ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط، في مصالحهم الدينية والدنيوية. قال تعالى: * (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) *. ومن أجل كون البيت قياما للناس قال: من قال من العلماء: إن حج بيت الله، فرض كفاية في كل سنة. فلو ترك الناس حجه، لأثم كل قادر، بل لو ترك الناس حجه، لزال ما به قوامهم، وقامت القيامة. وقوله: * (والهدي والقلائد) * أي: وكذلك جعل الهدي والقلائد التي هي أشرف أنواع الهدي قياما للناس، ينتفعون بهما، ويثابون عليهما. * (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله بكل شيء عليم) *. فمن علمه، أن جعل لكم هذا البيت الحرام، لما يعلمه من مصالحكم الدينية والدنيوية. * (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) * أي: ليكن هذان العلمان، موجودين في قلوبكم، على وجه الجزم واليقين، تعلمون أن الله شديد العقاب العاجل والآجل على من عصاه، وأنه غفور رحيم، لمن تاب إليه وأطاعه. فيثمر لكم هذا العلم، الخوف من عقابه، والرجاء لمغفرته وثوابه. وتعلمون على ما يقتضيه الخوف والرجاء. ثم قال تعالى: * (ما على الرسول إلا البلاغ) * وقد بلغ كما أمر، وقام بوظيفته، ما سوى ذلك، فليس له من الأمر شيء. * (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * فيجازيكم بما يعلمه تعالى منكم. * (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) * أي * (قل) * للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير: * (لا يستوي الخبيث والطيب) * من كل شيء. فلا يستوي الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا يستوي المال الحرام، بالمال الحلال. * (ولو أعجبك كثرة الخبيث) * فإنه لا ينفع صاحبه شيئا، بل يضره في دينه ودنياه. * (فاتقوا الله يا أولي الألباب لعكم تفلحون) *. فأمر أولي الألباب، أي: أهل العقول الوافية، والآراء الكاملة، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب. وهم: الذين يؤبه لهم، ويرجى أن يكون فيهم خير. ثم أخبر أن الفلاح، متوقف على التقوى، التي هي موافقة الله، في أمره ونهيه. فمن اتقاه، أفلح كل الفلاح. ومن ترك تقواه، حصل له الخسران، وفاتته الأرباح. * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) * ينهى عباده المؤمنين، عن سؤال الأشياء، التي إذا بينت لهم، ساءتهم وأحزنتهم. وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار. فهذا ربما أنه، لو بين للسائل، لم يكن له فيه خير، كسؤالهم للأمور غير الواقعة. وكالسؤال، الذي يترتب عليه، تشديدات في الشرع، ربما أحرجت الأمة. وكالسؤال عما لا يعني. فهذه الأسئلة، وما أشبهها، هي المنهي عنها. وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء
(٢٤٥)