تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٤٤
أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم * ي أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزآء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام * أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * هذا من منن الله على عباده، أن أخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا، ليطيعوه، ويقدموا على بصيرة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. فقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * لا بد أن يختبر الله إيمانكم. * (ليبلونكم الله بشيء من الصيد) * أي: بشيء غير كثير، فتكون محنة يسيرة، تخفيفا منه تعالى ولطفا. وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به * (تناله أيديكم ورماحكم) * أي: تتمكنون من صيده، ليتم بذلك الابتلاء، لا غير مقدور عليه بيد ولا رمح، فلا يبقى للابتلاء فائدة. ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء فقال: * (ليعلم الله) * علما ظاهرا للخلق يترتب عليه الثواب والعقاب * (من يخافه بالغيب) *. فيكف عما نهى الله عنه، مع قدرته عليه، وتمكنه، فيثيبه الثواب الجزيل، ممن لا يخافه بالغيب، فلا يرتدع من معصية تعرض له فيصطاد ما تمكن منه. * (فمن اعتدى) * (منكم) * (بعد ذلك) * البيان، الذي قطع الحجج، وأوضح السبيل. * (فله عذاب أليم) * أي: مؤلم موجع، لا يقدر على وصفه إلا الله، لأنه لا عذر لذلك المعتدي، والاعتبار بمن يخافه بالغيب، وعدم حضور الناس عنده. وأما إظهار مخافة الله عند الناس، فقد يكون ذلك، لأجل مخافة الناس، فلا يثاب على ذلك. ثم حرج بالنهي، عن قتل الصيد، في حال الإحرام فقال: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * أي: محرمون في الحج والعمرة. والنهي عن قتله، يشمل النهي عن مقدمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إن من تمام ذلك، أنه ينهى المحرم عن أكل ما قتل أو صيد لأجله. وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم، قتل وصيد ما كان حلالا له قبل الإحرام. وقوله: * (ومن قتله منكم متعمدا) * قتل صيدا عمدا * (ف) * (عليه) * (جزاء مثل ما قتل من النعم) * أي: الإبل، أو البقر، أو الغنم. فينظر ما يشبهه من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به. والاعتبار بالمماثلة * (يحكم به ذوا عدل منكم) * أي: عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش على اختلاف أنواعه بقرة. هكذا كل ما يشبه شيئا من النعم، ففيه مثله. فإن لم يشبه شيئا، ففيه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات. وذلك الهدي لا بد أن يكون * (هديا بالغ الكعبة) * أي: يذبح في الحرم. * (أو كفارة طعام مساكين) * أي: كفارة ذلك الجزاء، طعام مساكين، أي: يجعل مقابل المثل من النعم، طعام يطعم المساكين. فال كثير من العلماء: يقوم الجزاء، فيشتري بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره. * (أو عدل ذلك) * (الطعام) * (صياما) * أي: يصوم عن إطعام كل مسكين يوما. * (ليذوق) * بإيجاب الجزاء المذكور عليه * (وبال أمره، عفا الله عما سلف ومن عاد) * (بعد ذلك) * (فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام) *. وإنما نص الله على المتعمد لقتل الصيد، مع أن الجزاء يلزم المتعمد والمخطىء، كما هو القاعدة الشرعية أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة، فإنه يضمنها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق. لأن الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمعتمد. وأما المخطىء، فليس عليه عقوبة، إنما عليه الجزاء. هذا قول جمهور العلماء. والصحيح، ما صرحت به الآية، أنه لا جزاء على غير المتعمد، كما لا إثم عليه. ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري، استثنى تعالى، الصيد البحري فقال: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * أي: أحل لكم في حال إحرامكم صيد البحر وهو: الحي من حيواناته، وطعامه، وهو: الميت منها، فدل ذلك على حل ميتة البحر. * (متاعا لكم وللسيارة) * أي: الفائدة في إباحته
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»