* (إن تعذبهم فإنهم عبادك) * وأنت أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بأحوالهم، فلولا أنهم عباد متمردون، لم تعذبهم. * (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * أي: فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة، لا كمن يغفر ويعفو، عن عجز وعدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك، أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة. * (قال الله) * مبينا لحال عباده يوم القيامة، ومن الفائز منهم، ومن الهالك، من الشقي، ومن السعيد. * (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم، ونياتهم، على الصراط المستقيم، والهدى القويم. فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلهم الله في مقعد صدق، عن مليك مقتدر. ولهذا قال: * (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنه ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم) *. والكاذبون بضدهم، سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم، وثمرة أعمالهم الفاسدة. * (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن) * لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري، وحكمه الشرعي، وحكمه الجزائي، ولهذا قال: * (وهو على كل شيء قدير) * فلا يعجزه شيء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته، ومسخرة بأمره. سورة الأنعام * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون) * هذا إخبار عن حمده والثناء عليه، بصفات الكمال، ونعوت العظمة والجلال عموما، وعلى هذه المذكورات خصوصا. فحمد نفسه على خلقه السماوات والأرض، الدالة على كمال قدرته، وسعة علمه ورحمته، وعموم حكمته، وانفراده بالخلق والتدبير، وعلى جعله الظلمات والنور. وذلك شامل للحسي من ذلك، كالليل والنهار، والشمس والقمر. والمعنوي، كظلمات الجهل، والشك، والشرك، والمعصية، والغفلة، ونور العلم والإيمان، واليقين، والطاعة. وهذا كله، يدل دلالة قاطعة أنه تعالى، هو المستحق للعبادة، وإخلاص الدين له. ومع هذا الدليل ووضوح البرهان * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * به سواه. يسوونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه. * (هو الذي خلقكم من طين) * وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام. * (ثم قضى أجلا) * أي: ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا، فتمتعون به وتمتحنون، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله. * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. * (وأجل مسمى عنده) * وهي: الدار الآخرة، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر. * (ثم) * مع هذا البيان التام وقطع الحجة * (أنتم تمترون) * أي: تشكون في وعد الله ووعيده، ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع، لكثرة موادها، وتنوع طرقها. ووحد النور، لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة، لا تعدد فيها، وهي: الصراط المتضمنة للعلم بالحق، والعمل به كما قال تعالى: * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) *. * (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) * أي: وهو المألوه المعبود، في السماوات والأرض، فأهل السماء والأرض، متعبدون لربهم، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزه وجلاله، الملائكة المقربون، والأنبياء، والمرسلون، والصديقون، والشهداء، والصالحون. وهو تعالى، يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال، التي تقربكم منه، وتدنيكم من رحمته، واحذروا من كل عمل يبعدكم عنه، ومن رحمته. * (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين * فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون * ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) * هذا إخبار منه تعالى، عن إعراض المشركين، وشدة تكذيبهم وعداوتهم، وأنهم لا تنفع فيهم الآيات، حتى تحل بهم المثلات فقال: * (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم) * الدالة على الحق دلالة قاطعة، الداعية لهم إلى اتباعه وقبوله. * (إلا كانوا عنها معرضين) * لا يلقون له بالا، ولا يصغون لها سمعا، قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها، وولوها أدبارهم. * (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم) * والحق حقه، أن يتبع، ويشكر الله على تيسيره لهم، وإتيانهم به. فقابلوه بضد ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد. * (فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون) * أي: فسوف يرون ما استهزأوا به، أنه الحق والصدق، ويبين الله للمكذبين كذبهم وافتراءهم وكانوا يستهزؤون بالبعث والجنة والنار. فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين: * (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *. وقال تعالى: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، بلى،
(٢٥٠)