في كتابه، أفضل ممن لم يقصص علينا نبأهم بلا شك. * (ومن آبائهم) * أي: آباء هؤلاء المذكورين * (وذرياتهم وإخوانهم) * أي: وهدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم. * (واجتبيناهم) * أي: اخترناهم * (وهديناهم إلى صراط مستقيم) *. * (ذلك) * الهدى المذكور * (هدى الله) * الذي لا هدى إلا هداه. * (يهدي به من يشاء من عباده) * فاطلبوا منه الهدى فإن لم يهدكم، فلا هادي لكم غيره، وممن شاء هدايته، هؤلاء المذكورون. * (ولو أشركوا) * على الفرض والتقدير * (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) *. فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار. فإذا كان هؤلاء الصفوة والأخيار، لو أشركوا وحاشاهم لحبطت أعمالهم، فغيرهم أولى. * (أولئك) * المذكورون * (الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * أي: امش أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدى الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه، فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وبهذا الملحظ، استدل بهذا من استدل من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم. * (قل) * للذين أعرضوا عن دعوتك: * (لا أسألكم عليه أجرا) * أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا، جزاء عن إبلاغي إياكم، ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله. * (إن هو إلا ذكرى للعالمين) * يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم، فيذرونه. ويتذكرون به، معرفة ربهم، بأسمائه، وأوصافه. ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها، والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها. فإذا كان ذكرى للعالمين، كان أعظم نعمة، أنعم الله بها عليهم، فعليهم قبولها والشكر عليها. * (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) * هذا تشنيع على من نفى الرسالة، من اليهود والمشركين، وزعم أن الله، ما أنزل على بشر من شيء. فمن قال هذا، فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته. إذ هذا، قدح في حكمته، وزعم أن يترك عباده هملا، لا يأمرهم ولا ينهاهم. ونفي لأعظم منة، امتن الله بها على عباده، وهي الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة، والكرامة، والفلاح، إلا بها، فأي قدح في الله أعظم من هذا؟ * (قل) * لهم ملزما بفساد قولهم وقررهم، بما به يقرون: * (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى) * وهو التوراة العظيمة * (نورا) * في ظلمات الجهل * (وهدى) * من الضلالة، وهاديا إلى الصراط المستقيم علما، وعملا، وهو الكتاب الذي شاع وذاع، وملأ ذكره القلوب والأسماع. حتى أنهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس، ويتصرفون فيه بما شاؤوا. فما وافق أهواءهم منه، أبدوه وأظهروه، وما خالف ذلك، أخفوه وكتموه، وذلك كثير. * (وعلمتم) * من العلوم، التي بسبب ذلك الكتاب الجليل * (ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم) * فإذا سألتهم عن من أنزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات فأجب عن هذا السؤال. * (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) * أي: اتركهم يخوضوا في الباطل، ويلعبوا بما لا فائدة فيه، حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. * (وه ذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) * أي: * (وهذا) * القرآن * (كتاب أنزلناه إليك مبارك) * أي: وصفه البركة. وذلك لكثرة خيراته، وسعة مبراته. * (مصدق الذي بين يديه) * أي: موافق للكتب السابقة، وشاهد لها بالصدق. * (ولتنذر أم القرى ومن حولها) * أي: وأنزلناه أيضا، لتنذر أم القرى، وهي: مكة المكرمة، ومن حولها، من ديار العرب، بل ومن سائر البلدان. فتحذر الناس عقوبة الله، وأخذه الأمم، وتحذرهم مما يوجب ذلك. * (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) * لأن الخوف إذا كان في القلب، عمرت أركانه، وانقاد لمراضي الله. * (وهم على صلاتهم يحافظون) * أي: يداومون عليها، ويحفظون أركانها وحدودها، وشروطها وآدابها، ومكملاتها. جعلنا الله منهم. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل
(٢٦٤)