تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٤٨
القرينة مع أيمانهما قائمة مقام البينة. * (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب * إذ قال الله يعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن ه ذا إلا سحر مبين) * يخبر تعالى، عن يوم القيامة، وما فيه من الأهوال العظام، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم: * (ماذا أجبتم) * أي: ماذا أجابتكم به أممكم؟ * (قالوا لا علم لنا) * وإنما العلم لك يا ربنا، فأنت أعلم منا. * (إنك أنت علام الغيوب) * أي: تعلم الأمور الغائبة والحاضرة. * (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) * أي: اذكرها بقلبك ولسانك، وقم بواجبها شكرا لربك، حيث أنعم عليك نعما، ما أنعم بها على غيرك. * (إذ أيدتك بروح القدس) * أي: إذ قويتك بالروح والوحي، الذي طهرك وزكاك، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله. وقيل: إن المراد (بروح القدس) جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به، وبملازمته له، وتثبيته، في المواطن المشقة. * (تكلم الناس في المهد وكهلا) * المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام. وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله. ولعيسى عليه السلام من ذلك، ما لإخوانه، من أولي العزم، من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر. وامتاز عنهم، بأنه كلم الناس في المهد فقال: * (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) * الآية. * (وإذ علمتك الكتاب والحكمة) * فالكتاب يشمل الكتب السابقة، وخصوصا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى بها. ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه. والحكمة هي: معرفة أسرار الشرع، وفوائده، وحكمه، وحسن الدعوة والتعليم، ومراعاة ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) * أي: طيرا مصورا، لا روح فيه. * (فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه) * الذي: لا بصر له ولا عين. * (والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) *. فهذه آيات بينات، ومعجزات باهرات، يعجز عنها الأطباء وغيرهم، أيد الله بها عيسى، وقوى بها دعوته. * (وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم) * لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به. * (إن هذا إلا سحر مبين) *. وهموا بعيسى أن يقتلوه، وسعوا في ذلك. فكف الله أيديهم عنه، وحفظه منهم، وعصمه. فهذه منن، امتن الله بها على عبده ورسوله، عيسى بن مريم، ودعاه إلى شكرها، والقيام بها. فقام بها عليه السلام، أتم القيام، وصبر كما صبر إخوانه، من أولي العزم. * (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون * إذ قال الحواريون يعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مآئدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنآ أنزل علينا مآئدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين * وإذ قال الله يعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إل هين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم * قال الله ه ذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم * لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) * أي: واذكر نعمتي عليك، إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا. فأوحيت إلى الحواريين أي: ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي، وأوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله. فأجابوا لذلك وانقادوا، وقالوا: آمنا، واشهد بأننا مسلمون. فجمعوا بين الإسلام الظاهر، والانقياد بالأعمال الصالحة والإيمان الباطن، المخرج لصاحبه من النفاق، ومن ضعف الإيمان. والحواريون هم: الأنصار، كما قال عيسى بن مريم للحواريين: * (من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله) *. * (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) * أي: مائدة فيها طعام. وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك، من باب العرض والأدب منهم. ولما كان سؤال آيات الاقتراح، منافيا للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين، ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال:
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»