يكتب وصيته، ويشهد عليها اثنين، ذوي عدل، ممن يعتبر شهادتهما. * (أو آخران من غيركم) * أي: من غير أهل دينكم، من اليهود، أو النصارى، أو غيرهم، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين. * (إن أنتم ضربتم في الأرض) * أي: سافرتم فيها. * (فأصابتكم مصيبة الموت) * أي: فأشهدوهما. ولم يأمر بإشهادهما، إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول، ويؤكد عليهما، أن يحبسا * (من بعد الصلاة) * التي يعظمونها. * (فيقسمان بالله) * أنهما صدقا، وما غيرا، ولا بدلا. هذا * (إن ارتبتم) * في شهادتهما، فإن صدقتموها، فلا حاجة إلى القسم بذلك. ويقولان: * (لا نشتري به) * أي: بأيماننا * (ثمنا) * بأن نكذب فيها، لأجل عرض من الدنيا. * (ولو كان ذا قربى) * فلا نراعيه لأجل قربه منا * (ولا نكتم شهادة الله) * بل نؤديها على ما سمعناها * (إنا إذا) * أي: إن كتمناها * (لمن الآثمين) *. * (فإن عثر على أنهما) * أي: الشاهدين * (استحقا إثما) * بأن وجد من القرآن، ما يدل على كذبهما، وأنهما خانا، فآخران يقومان مقامهما، من الذين استحق عليهما الأوليان. أي: فليقم رجلان من أولياء الميت، وليكونا من أقرب الأولياء إليه. * (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) * أي: أنهما كذبا، وغيرا، وخانا. * (وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) * أي: إن ظلمنا واعتدينا، وشهدنا بغير الحق. قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة، وتأكيدها، وردها على أولياء الميت، حين تظهر من الشاهدين الخيانة. * (ذلك أدنى) * أي: أقرب * (أن يأتوا بالشهادة على وجهها) * حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات. * (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) * أي: أن لا تقبل أيمانهم، ثم ترد على أولياء الميت. * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * أي: الذين وصفهم الفسق، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم. وحاصل هذا، أن الميت إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين. فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما. ولكن لأجل كفرهما، فإن الأولياء، إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا، فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما. فإن لم يصدقوهما، ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله: لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون. وهذه الآيات الكريمة، نزلت في قصة (تميم الداري) و (عدي بن بداء) المشهورة حين أوصى لهما العدوي، والله أعلم. ويستدل بالآيات الكريمات، على عدة أحكام: منها: أن الوصية مشروعة، وأنه ينبغي لمن حضره الموت، أن يوصي. ومنها: أنها معتبرة، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلامته، ما دام عقله ثابتا. ومنها: أن شهادة الوصية، لا بد فيها من اثنين عدلين. ومنها: أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها، مقبولة لوجود الضرورة. وهذا مذهب الإمام أحمد. وزعم كثير من أهل العلم: أن هذا الحكم منسوخ. وهذه دعوى لا دليل عليها. ومنها: أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه، أن شهادة الكفار عند عدم غيرهم، حتى في غير هذه المسألة مقبولة، كما ذهب إلى ذلك، شيخ الإسلام ابن تيمية. ومنها: جواز سفر المسلم مع الكافر، إذا لم يكن محذورا. ومنها: جواز السفر للتجارة. ومنها: أن الشاهدين إذا ارتيب فيهما، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما، وأراد الأولياء أن يؤكدوا عليهما اليمين، يحبسونهما من بعد الصلاة، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى. ومنها: أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما، وتأكيد اليمين عليهما. ومنها: تعظيم أمر الشهادة، حيث أضافها تعالى، إلى نفسه، وأنه يجب الاعتناء بها، والقيام بها، بالقسط. ومنها: أنه يجوز امتحان الشاهدين، عند الريبة فيهما، وتفريقهما، لينظر في قيمة شهادتهما صدقا أو كذبا. ومنها: أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة قام اثنان من أولياء الميت، فأقسما بالله: أن أيماننا أصدق من أيمانهما، ولقد خانا وكذبا. ثم يدفع إليهما ما ادعياه، وتكون
(٢٤٧)