الرزق، ولأمطر عليهم السماء، وأنبت لهم الأرض كما قال تعالى: * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) *. * (منهم) * أي: من أهل الكتاب * (أمة مقتصدة) * أي: عاملة بالتوراة والإنجيل، عملا غير قوي ولا نشيط. و * (كثير منهم ساء ما يعملون) * أي: والمسيء منهم الكثير. وأما السابقون منهم، فقليل ما هم. * (ي أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) * هذا أمر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بأعظم الأوامر وأجلها، وهو: التبليغ لما أنزل الله إليه. ويدخل في هذا، كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم، من العقائد، والأعمال، والأقوال، والأحكام الشرعية، والمطالب الإلهية. فبلغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا، وأنذر، وبشر، ويسر، وعلم الجهال الأميين، حتى صاروا من العلماء الربانيين. وبلغ، بقوله، وفعله، وكتبه، ورسله. فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة، من الصحابة، فمن بعدهم من أئمة الدين، ورجال المسلمين. * (وإن لم تفعل) * أي: لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك * (فما بلغت رسالته) * أي: فما امتثلت أمره. * (والله يعصمك من الناس) * هذه حماية وعصمة من الله، لرسوله من الناس، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهم بيد الله، وقد تكفل بعصمتك، فأنت إنما عليك البلاغ المبين، فمن اهتدى، فلنفسه. وأما الكافرون الذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم، ولا يوفقهم للخير، بسبب كفرهم. * (قل ي أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ومآ أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين) * أي: قل لأهل الكتاب مناديا على ضلالهم، ومعلنا بباطلهم: * (لستم على شيء) * من الأمور الدينية، فإنكم، لا بالقرآن ومحمد آمنتم، ولا بنبيكم وكتابكم صدقتم، ولا بحق تمسكتم، ولا على أصل اعتمدتم. * (حتى تقيموا التوراة والإنجيل) * أي: تجعلوهما قائمين بالإيمان بهما واتباعهما، والتمسك بكل ما يدعوان إليه. * (و) * تقيموا * (ما أنزل إليكم من ربكم) * الذي رباكم، وأنعم عليكم، وجعل أجل إنعامه، إنزال الكتب إليكم، فالواجب عليكم، أن تقوموا بشكر الله، وتلتزموا أحكام الله، وتقوموا بما حملتم من أمانة الله وعهده. * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين) *. * (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * يخبر تعالى عن أهل الكتاب، من أهل القرآن والتوراة والإنجيل، أن سعادتهم ونجاتهم، في طريق واحد، وأصل واحد، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح. فمن آمن منهم بالله واليوم الآخر، وعمل صالحا، فله النجاة، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من الأمور المخوفة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا منها. وهذا الحكم المذكور، يشمل سائر الأزمنة. * (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون) * يقول تعالى: * (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل) * أي: عهدهم الثقيل بالإيمان بالله، والقيام بواجباته، التي تقدم الكلام عليها في قوله: * (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) * إلى آخر الآيات. * (وأرسلنا إليهم رسلا) * يتوالون عليهم بالدعوة، ويتعاهدونهم بالإرشاد ولكن ذلك، لم ينجح فيهم، ولم يفد. * (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) * من الحق، كذبوه، وعاندوه، وعاملوه أقبح المعاملة. * (فريقا كذبوا، وفريقا يقتلون، وحسبوا أن لا تكون فتنة) * أي: ظنوا أن معصيتهم وتكذيبهم، لا يجر عليهم عذابا، ولا عقوبة، واستمروا على باطلهم. * (فعموا وصموا) * عن الحق * (ثم) * نعشهم و * (تاب عليهم) * حين تابوا إليه، وأنابوا. * (ثم) * لم يستمروا على ذلك، حتى انقلب أكثرهم إلى الحال القبيحة. حيث * (عموا وصموا كثير منهم) * بهذا الوصف، والقليل واستمروا على توبتهم وإيمانهم. * (والله بصير بما يعملون) * فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. * (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي
(٢٣٩)