يدعوهم إلى معاداتهم. وكذلك ما كان عليه المشركون، والكفار والمخالفون للمسلمين، من قدحهم في دين المسلمين، واتخاذهم إياه هزوا ولعبا، واحتقاره واستصغاره، خصوصا الصلاة، التي هي أظهر شعائر المسلمين، وأجل عباداتهم. إنهم إذا نادوا إليها اتخذوها هزوا ولعبا، وذلك لعدم عقلهم، ولجهلهم العظيم. وإلا فلو كان لهم عقول، لخضعوا لها، ولعلموا أنها أكبر من جميع الفضائل التي تتصف بها النفوس. فإذا علمتم أيها المؤمنون، حال الكفار وشدة معاداتهم لكم ولدينكم فمن لم يعادهم بعد هذا، دل على أن الإسلام عنده، رخيص، وأنه لا يبالي بمن قدح فيه، أو قدح بالكفر والضلال، وأنه ليس عنده من المروءة والإنسانية شيء. فكيف تدعي لنفسك دينا قيما، وأنه الدين الحق؛ وما سواه باطل، وترضى بموالاة من اتخذه هزوا ولعبا، وسخر به وبأهله، من أهل الجهل والحمق؟ وهذا فيه من التهييج على عداوتهم، ما هو معلوم لكل من له أدنى مفهوم. * (قل ي أهل الكتاب هل تنقمون منآ إلا أن آمنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون * قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أول ئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل * وإذا جآءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون * وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) * أي: * (قل) * يا أيها الرسول * (يا أهل الكتاب) * ملزما لهم. إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإن قدحهم فيه، قدح بأمر ينبغي المدح عليه: * (هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) * أي: هل لنا من العيب، إلا إيماننا بالله، وبكتبه السابقة واللاحقة، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين، وبأننا نجزم أن من لم يؤمن كهذا الإيمان، فإنه كافر فاسق؟ فهل تنقمون منا، بهذا الذي أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟ ومع هذا، فأكثرهم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله متجرئون على معاصيه فأولى لكم أيها الفاسقون السكوت. فلو كان عيبكم، وأنتم سالمون من الفسق، وهيهات ذلك لكان الشر أخف من قد حكم فينا مع فسقكم. ولما كان قدحهم في المؤمنين، يقتضي أنهم يعتقدون أنهم على شر، قال تعالى: * (قل) * لهم، مخبرا عن شناعة ما كانوا عليه: * (هل أنبئكم بشر من ذلك) * الذي نقمتم فيه علينا، مع التنزل معكم. * (من لعنه الله) * أي: أبعده عن رحمته * (وغضب عليه) * وعاقبه في الدنيا والآخرة * (وجعل منهم القرة والخنازير وعبد الطاغوت) * وهو الشيطان، وكل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت. * (أولئك) * المذكورون بهذه الخصال القبيحة * (شر مكانا) * من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم، ورضي الله عنهم، وأثابهم في الدنيا والآخرة، لأنهم أخلصوا له الدين. وهذا النوع، من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه. وكذلك قوله: * (وأضل عن سوء السبيل) * أي: وأبعد عن قصد السبيل. * (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا) * نفاقا ومكرا * (و) * هم * (قد دخلوا) * مشتملين * (بالكفر وهم قد خرجوا به) * فمدخلهم ومخرجهم، بالكفر وهم يزعمون أنهم مؤمنون. فهل أشر من هؤلاء، وأقبح حالا منهم؟ * (والله أعلم بما كانوا يكتمون) * فيجازيهم بأعمالهم، خيرها وشرها. ثم استمر تعالى، يعدد معايببهم، انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين فقال: * (وترى كثيرا منهم) * أي: من اليهود * (يسارعون في الإثم والعدوان) * أي: يحرصون، ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين. * (وأكلهم السحت) * الذي هو الحرام. فلم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه. وهذا يدل على خبثهم وشرهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا، وهم يدعون لأنفسهم، المقامات العالية. * (لبئس ما كانوا يعملون) * وهذا في غاية الذم لهم، والقدح فيهم. * (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت) * أي: هلا ينهاهم العلماء، المتصدون لنفع الناس، الذين من الله عليهم بالعلم والحكمة عن المعاصي التي تصدر منهم، ليزول ما عندهم من الجهل، وتقوم حجة الله عليهم. فإن العلماء، عليهم أمر الناس ونهيهم، وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي، ويرغبون في الخير: ويرهبوهم من الشر * (لبئس ما كانوا يصنعون) *. * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة كلمآ
(٢٣٧)