عليه، من معرفة الأحكام الشرعية وتبيينها. * (ي أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضآء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس. * (فاجتنبوه) * أي: اتركوه * (لعلكم تفلحون) * فإن الفلاح، لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة. وهي: الخمر وهي: كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره. والميسر، وهو: جميع المغالبات، التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها. والأنصاب، وهي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما ينصب ويعبد من دون الله. والأزلام، التي يقتسمون بها. فهذه الأربعة، نهى الله عنها، وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها، واجتنابها. فمنها: أنها رجس، أي: نجس، خبث معنى، وإن لم تكن نجسة حسا. والأمور الخبيثة، مما ينبغي اجتنابها، وعدم التدنس بأوضارها. ومنها: أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان. ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا، الأعمال التي يعملها، ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه. فالحزم كل الحزم، البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منها، والخوف من الوقوع فيها. ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها. فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب. وهذه الأمور مانعة من الفلاح، ومعوقة له. ومنها: أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا: الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر، من انقلاب العقل، وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه، من المؤمنين. خصوصا، إذا اقترن بذلك من الأسباب، ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء. ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، وتبعد البدن عن ذكر الله، وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته. فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة، وهو لا يدري أين هو. فأي معصية أعظم وأقبح، من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له، كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد، وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟ فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟ ولهذا عرض تعالى، على العقول السليمة، النهي عنها، عرضا بقوله: * (فهل أنتم منتهون) *. لأن العاقل إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد انزجر عنها، وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير، ولا زجر بليغ. * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) * طاعة الله وطاعة رسوله، واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول، فقد أطاع الله. وذلك شامل للقيام، بما أمر الله به ورسوله، من الأعمال، والأقوال الظاهرة، والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله، وحقوق خلقه، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه، كذلك. وهذا الأمر أعم الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر، وباطن. وقوله: * (واحذروا) * أي: من معصية الله، ومعصية رسوله، فإن في ذلك، الشر والخسران المبين. * (فإن توليتم) * عما أمرتم به، ونهيتم عنه. * (فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) * وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم. والرسول قد أدى ما عليه، وما حمل به. * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) * لما نزل تحريم الخمر، والنهي الأكيد والتشديد فيه، تمنى أناس من المؤمنين، أن يعلموا حال إخوانهم، الذين ماتوا على الإسلام، قبل تحريم الخمر، وهم يشربونها. فأنزل الله هذه الآية، وأخبر تعالى أنه * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) * أي: حرج وإثم * (فيما طعموا) * من الخمر والميسر قبل تحريمها. ولما كان نفي الجناح، يشمل المذكورات وغيرها، قيد ذلك بقوله: * (إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) * أي: بشرط أنهم تاركون للمعاصي، مؤمنون بالله إيمانا صحيحا، موجبا لهم عمل الصالحات، ثم استمروا على ذلك. وإلا، فقد يتصف العبد بذلك، في وقت دون آخر. فلا يكفي، حتى يكون كذلك، حتى يأتيه أجله، ويدوم على إحسانه، فإن الله يحب المحسنين في عبادة الخالق، المحسنين في نفع العبيد. ويدخل في هذه الآية الكريمة، من طعم المحرم، أو فعل غيره بعد التحريم، ثم اعترف بذنبه، وتاب إلى الله، واتقى وعمل صالحا، فإن الله يغفر له، ويرتفع عنه الإثم في ذلك. * (ي أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله
(٢٤٣)