ومن لوازم محبة الله، معرفته تعالى، والإكثار من ذكره. فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا، بل غير موجودة، وإن وجدت دعواها. ومن أحب الله أكثر من ذكره. وإذا أحب الله عبدا، قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل. ومن صفاتهم أنهم * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) *. فهم للمؤمنين أذلة، من محبتهم لهم، ونصحهم لهم، ولينهم، ورفقهم، ورأفتهم، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم، وقرب الشيء الذي يطلب منهم. وعلى الكافرين بالله، المعاندين لآياته، المكذبين لرسله أعزة قد اجتمعت هممهم وعزائمهم، على معاداتهم، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم. قال تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) *. وقال تعالى: * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * فالغلظة الشديدة على أعداء الله، مما يقرب العبد إلى الله، ويوافق العبد ربه، في سخطه عليهم. ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة، دعوتهم، إلى الدين الإسلامي، بالتي هي أحسن. فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم. * (يجاهدون في سبيل الله) * بأموالهم وأنفسهم، بأقوالهم وأفعالهم. * (ولا يخافون لومة لائم) * بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين. وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم، فإن ضعيف القلب، ضعيف الهمة، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين، وتفتر قوته، عند عذل العاذلين. وفي قلوبهم تعبد لغير الله، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم، على أمر الله. فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله، حتى لا يخاف في الله لومة لائم. ولما مدحهم تعالى بما من به عليهم من الصفات الجميلة، والمناقب العالية، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه، لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي من عليهم بذلك ليزيدهم من فضله، وليعلم غيرهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب، فقال: * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) * أي: واسع الفضل والإحسان، جزيل المنن، قد عمت رحمته كل شيء، ويوسع على أوليائه من فضله، ما لا يكون لغيرهم. ولكنه عليم بمن يستحق الفضل، فيعطيه، فالله أعلم حيث يجعل رسالته أصلا وفرعا. * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * لما نهى عن ولاية الكفار، من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين، أخبر تعالى من يجب ويتعين توليه. وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال: * (إنما وليكم الله ورسوله) *. فولاية الله، تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا، كان لله وليا، ومن كان لله وليا، فهو ولي لرسوله. ومن تولى الله ورسوله، كان تمام ذلك، تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان، ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة، بشروطها، وفروضها، ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: * (وهم راكعون) * أي: خاضعون لله ذليلون. فأداة الحصر في قوله: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) * تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين، والتبري من ولاية غيرهم. ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال: * (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * أي: فإنه من الحزب المضافين إلى الله، إضافة عبودية وولاية، وحزبه الغالبون، الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: * (وإن جندنا لهم الغالبون) *. وهذه بشارة عظيمة، لمن قام بأمر الله، وصار من حزبه وجنده، أن له الغلبة. وإن أديل عليه في بعض الأحيان، لحكمة يريدها الله تعالى، فآخر أمره، الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلا. * (ي أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * ينهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن سائر الكفار؛ أولياء، يحبونهم، ويتولونهم، ويبدون لهم أسرار المؤمنين، ويعاونونهم على بعض أمورهم، التي تضر الإسلام والمسلمين. وأن ما معهم من الإيمان، يوجب عليهم ترك موالاتهم، ويحثهم على معاداتهم. وكذلك التزامهم لتقوى الله، التي هي امتثال أوامره، واجتناب زواجره مما
(٢٣٦)