وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إل ه إلا إل ه واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) * يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم: * (إن الله هو المسيح ابن مريم) *. بشبهة أنه خرج من أم بلا أب، وخالف المعهود من الخلقة الإلهية. والحال أنه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوى، وقال لهم: * (يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) * فأثبت لنفسه العبودية التامة، ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق. * (إنه من يشرك بالله) * أحدا من المخلوقين، لا عيسى ولا غيره. * (فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) * وذلك لأنه سوى الخلق بالخالق، وصرف ما خلقه الله له وهو العبادة الخالصة لغير من هي له، فاستحق أن يخلد في النار. * (وما للظالمين من أنصار) * ينقذونهم من عذاب الله، أو يرفعون عنهم بعض ما نزل بهم. * (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) * وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم.
زعموا أن الله ثالث ثلاثة، الله، وعيسى، ومريم، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى. كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء، والعقيدة القبيحة؟ كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوق؟ كيف خفي عليهم رب العالمين؟ قال تعالى ردا عليهم وعلى أشباههم: * (وما من إله إلا إله واحد) * متصف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، منفرد بالخلق والتدبير ما بالخلق من نعمة إلا منه. فكيف يجعل معه إله غيره؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم توعدهم بقوله: * (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم، عذاب أليم) *. ثم دعاهم إلى التوبة عما صدر منهم، وبين أنه يقبل التوبة عن عباده فقال: * (أفلا يتوبون إلى الله) * أي: يرجعون إلى ما يحبه ويرضاه من الإقرار لله بالتوحيد، وبأن عيسى عبد الله ورسوله عما كانوا يقولونه. * (ويستغفرونه) * عن ما صدر منهم * (والله غفور رحيم) * أي: يغفر ذنوب التائبين، ولو بلغت عنان السماء، ويرحمهم، بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات. وصدر دعوتهم إلى التوبة بالعرض الذي هو غاية اللطف واللين في قوله: * (أفلا يتوبون إلى الله) *. ثم ذكر حقيقة المسيح وأمه، الذي هو الحق، فقال: * (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * أي: هذا غايته، ومنتهى أمره، أنه من عباد الله المرسلين، الذين ليس لهم من الأمر، ولا من التشريع، إلا ما أرسلهم به الله، وهو من جنس الرسل قبله، لا مزية له عليهم، تخرجه عن البشرية، إلى مرتبة الربوبية. * (وأمه) * (مريم) * (صديقة) * أي: هذا أيضا غايتها، أن كانت من الصديقين، الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء. والصديقية، هي: العلم النافع، المثمر لليقين، والعمل الصالح. وهذا دليل على أن مريم، لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها، الصديقية، وكفى بذلك فضلا وشرفا. وكذلك سائر النساء، لم يكن منهن نبية، لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين. في الرجال، كما قال تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) *. فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله؟ وقوله: * (كانا يأكلان الطعام) * دليل ظاهر، على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين، لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله، هو الغني الحميد. ولما بين تعالى البرهان قال: * (انظر كيف نبين لهم الآيات) * الموضحة للحق، الكاشفة لليقين، ومع هذا، لا تفيد فيهم شيئا، بل لا يزالون على إفكهم، وكذبهم، وافترائهم. وذلك ظلم وعناد منهم. * (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم) * أي: * (قل) * لهم أيها الرسول: * (أتعبدون من دون الله) * من المخلوقين الفقراء المحتاجين. * (من لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) * وتدعون من انفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع. * (والله هو السميع) * لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. * (العليم) * بالظواهر والبواطن، والغيب والشهادة، والأمور الماضية والمستقبلة. فالكامل تعالى، الذي هذه أوصافه، هو الذي يستحق أن يفرد بجميع أنواع العبادة، ويخلص له الدين. * (قل ي أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل * لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن