تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٣٥
ذنوبهم) * فإن للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة. ومن أعظم العقوبات، أن يبتلى العبد ويزين له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه. * (وإن كثيرا من الناس لفاسقون) * أي: طبيعتهم الفسق والخروج عن طاعة الله، واتباع رسوله. * (أفحكم الجاهلية يبغون) * أي: أفيطلبون بتوليهم وإعراضهم عنك، حكم الجاهلية. وهو كل حكم خالف ما أنزل الله على رسوله. فلا ثم إلا حكم الله ورسوله أو حكم الجاهلية. فمن أعرض عن الأول، ابتلى بالثاني المبني على الجهل، والظلم، والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية. وأما حكم الله تعالى، فمبني على العلم، والعدل، والقسط، والنور، والهدى. * (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) * فالموقن، هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين ويميز بإيقانه ما في حكم الله، من الحسن والبهاء، وأنه يتعين عقلا وشرعا اتباعه. واليقين، هو: العلم التام، الموجب للعمل. * (ي أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أه ؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) * يرشد تعالى عباده المؤمنين، حين بين لهم أحوال اليهود والنصارى، وصفاتهم غير الحسنة، أن لا يتخذوهم أولياء. فإن * (بعضهم أولياء بعض) * يتناصرون فيما بينهم ويكونون يدا على من سواهم. فأنتم، لا تتخذوهم أولياء، فإنهم، هم الأعداء على الحقيقة. ولا يبالون بضركم، بل لا يدخرون من مجهودهم شيئا على إضلالكم. فلا يتولاهم، إلا من هو مثلهم، ولهذا قال: * (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) *. لأن التولي التام، يوجب الانتقال إلى دينهم. والتولي القليل، يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئا فشيئا، حتى يكون العبد منهم. * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * أي: الذين وصفهم الظلم، وإليه يرجعون، وعليه يعولون. فلو جئتهم بكل آية، ما تبعوك، ولا انقادوا لك. ولما نهى الله المؤمنين عن توليهم. أخبر أن ممن يدعي الإيمان، طائفة تواليهم فقال: * (فترى الذي في قلوبهم مرض) * أي: شك، ونفاق، وضعف إيمان، يقولون: إن تولينا إياهم للحاجة فإننا * (نخشى أن تصيبنا دائرة) * أي: تكون الدائرة لليهود والنصارى فإذا كانت الدائرة لهم، فإذا لنا معهم يد يكافئوننا عنها، وهذا سوء ظن منهم بالإسلام. قال تعالى رادا لظنهم السيء: * (فعسى الله أن يأتي بالفتح) * الذي يعز الله به الإسلام، على اليهود والنصارى، ويقهرهم المسلمون * (أو أمر من عنده) * ييأس به المنافقون من ظفر الكافرين، من اليهود وغيرهم. * (فيصبحوا على ما أسروا) * أي: أضمروا * (في أنفسهم نادمين) * على ما كان منهم وضرهم، بلا نفع حصل لهم. فحصل الفتح الذي نصر الله به الإسلام والمسلمين، وأذل به الكفر والكافرين. فندموا وحصل لهم من الغم، ما الله به عليم. * (ويقول الذين آمنوا) * متعجبين من حال هؤلاء الذين في قلوبهم مرض: * (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) * أي: حلفوا وأكدوا حلفهم، وغلظوه بأنواع التأكيدات: إنهم لمعكم في الإيمان، وما يلزمه من النصرة، والمحبة، والموالاة. ظهر ما أضمروه، وتبين ما أسروه، وصار كيدهم الذي كادوه، وظنهم الذي ظنوه بالإسلام وأهله باطلا. وبطل كيدهم * (فحبطت أعمالهم) * (في الدنيا) * (فأصبحوا خاسرين) * حيث فاتهم مقصودهم، وحضرهم الشقاء والعذاب. * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) * يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه، فلن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه. وأن لله، عبادا مخلصين، ورجالا صادقين، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم، ووعد بالإتيان بهم، وأنهم أكمل الخلق أوصافا، وأقواهم نفوسا، وأحسنهم أخلاقا. أجل صفاتهم أن الله * (يحبهم ويحبونه) *. فإن محبة الله للعبد، هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه. وإذا أحب الله عبدا، يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه، بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ظاهرا وباطنا، في أقواله وأعماله، وجميع أحواله. كما قال تعالى: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) *. كما أن من لوازم محبة الله للعبد، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله، بالفرائض والنوافل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»