ودعوتهم إلى الله تعالى. * (والصديقين) * وهم: الذين كمل تصديقهم، بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق، وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به، قولا، وعملا، وحالا، ودعوة إلى الله. * (والشهداء) * الذين قاتلوا في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، فقتلوا. * (والصالحين) * الذين صلح ظاهرهم وباطنهم، فصلحت أعمالهم. فكل من أطاع الله تعالى، كان مع هؤلاء في صحبتهم. * (وحسن أولئك رفيقا) * بالاجتماع بهم، في جنات النعيم، والأنس بقربهم، في جوار رب العالمين. * (ذلك الفضل) * الذي نالوه * (من الله) *. فهو الذي وفقهم لذلك، وأعانهم عليه، وأعطاهم من الثواب، ما لا تبلغه أعمالهم. * (وكفى بالله عليما) *، يعلم أحوال عباده، ومن يستحق منهم الثواب الجزيل، بما قام به، من الأعمال الصالحة، التي تواطأ عليها القلب والجوارح. * (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم، ويستدفع مكرهم وقوتهم، من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير في سبيل الله. ولهذا قال: * (فانفروا ثبات) * أي: متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش ويقيم غيرهم * (أو انفروا جميعا) *. وكل هذا، تبع للمصلحة، والنكاية، والراحة للمسلمين في دينهم. وهذه الآية نظير قوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) *. ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد فقال: * (وإن منكم) * أي: أيها المؤمنون * (لمن ليبطئن) * أي: يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله، ضعفا، وخورا، وجبنا. هذا هو الصحيح. وقيل معناه: ليبطئن غيره، أي يزهده عن القتال، وهؤلاء هم المنافقون ولكن الأول أولى، لوجهين: أحدهما: قوله: * (منكم) * والخطاب للمؤمنين. والثاني: قوله في آخر الآية: * (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) *. فإن الكفار، من المشركين، والمنافقين، قد قطع الله بينهم، وبين المؤمنين المودة. وأيضا، فإن هذا هو الواقع، فإن المؤمنين على قسمين: صادقون في إيمانهم، أوجب لهم ذلك كمال التصديق والجهاد. وضعفاء، دخلوا في الإسلام، فصار معهم إيمان ضعيف، لا يقوى على الجهاد. كما قال تعالى: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * إلى آخر الآيات. ثم ذكر غايات هؤلاء المتثاقلين، ونهاية مقاصدهم، وأن معظم قصدهم، الدنيا وحطامها فقال: * (فإن أصابتكم مصيبة) * أي: هزيمة، وقتل، وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال، لما لله في ذلك من الحكم. * (قال) * ذلك المتخلف * (قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا) *. رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة نعمة. ولم يدر أن النعمة الحقيقية، هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى الإيمان، ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له فيها عظيم الثواب، ورضا الكريم الوهاب. وأما القعود، فإنه، وإن استراح قليلا، فإنه يعقبه تعب طويل، وآلام عظيمة، ويفوته ما يحصل للمجاهدين (أي من الأجر العظيم). ثم قال: * (ولئن أصابكم فضل من الله) * أي: نصر وغنيمة ما يحصل للمجاهدين * (ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) *. أي: يتمنى أنه حاضر، لينال من المغانم. ليس له رغبة، ولا قصد، في غير ذلك. كأنه ليس منكم، يا معشر المؤمنين ولا بينكم، وبينه المودة الإيمانية، التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم، ودفع مضارهم، يفرحون بحصولها، ولو على يد غيرهم، من إخوانهم المؤمنين، ويألمون بفقدها، ويسعون جميعا، في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم. فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة. ومن لطف الله بعباده، أن لا يقطع عنهم رحمته، ولا يغلق عنهم أبوابها. بل من حصل على غير ما يليق أمره، دعاه إلى جبر نقصه، وتكميل نفسه.
(١٨٦)