وقدره، وخلقه. * (فما لهؤلاء القوم) * أي: الصادر منهم تلك المقالة الباطلة. * (لا يكادون يفقهون حديثا) * أي: لا يفهمون حديثا بالكلية، ولا يقربون من فهمه، أو لا يفهمون منه إلا فهما ضعيفا. وعلى كل، فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله، وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك، مدح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى الأسباب المعينة على ذلك، من الإقبال على كلامهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه. فلو فقهوا عن الله، لعلموا أن الخير والشر، والحسنات والسيئات، كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك. وأن الرسل، عليهم الصلاة والسلام، لا يكونون سببا لشر يحدث، لا هم، ولا ما جاؤوا به، لأنهم بعثوا بمصالح الدينا والآخرة والدين. * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) * ثم قال تعالى: * (ما أصابك من حسنة) * أي: في الدين والدنيا * (فمن الله) * هو الذي من بها ويسرها بتيسير أسبابها. * (وما أصابك من سيئة) * في الدين والدنيا * (فمن نفسك) * أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. فالله تعالى، قد فتح لعباده أبواب إحسانه، وأمرهم بالدخول لبره وفضله، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله. فإذا فعلها العبد، فلا يلومن إلا نفسه، فإنه المانع لنفسه، عن وصول فضل الله وبره. ثم أخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: * (وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) * على أنك رسول الله حقا بما أيدك بنصره، والمعجزات الباهرة، والبراهين الساطعة، فهي أكبر شهادة على الإطلاق. كما قال تعالى: * (قل أي شيء أكبر شهادة؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم) *. فإن علم أن الله تعالى، كامل العلم، وتام القدرة، عظيم الحكمة، وقد أيد الله رسوله بما أيده، ونصره نصرا عظيما، تيقن بذلك أنه رسول الله. وإلا فلو تقول عليه بعض الأقاويل، لأخذ منه باليمين، ثم لقطع منه الوتين. * (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * أي: كل من أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه * (فقد أطاع الله) * تعالى، لكونه لا يأمر ولا ينهى، إلا بأمر الله، وشرعه، ووحيه وتنزيله. وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا فلولا أنه معصوم في كل ما يبلغ عن الله، لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. وهذا من الحقوق المشتركة، فإن الحقوق ثلاثة: حق الله تعالى، لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله، والرغبة إليه، وتوابع ذلك. وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير، والتوقير، والنصرة. وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله، ومحبتهما وطاعتهما. كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله: * (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) *. فمن أطاع الرسول، فقد أطاع الله، وله من الثواب والخير، ما رتب على طاعة الله. * (ومن تولى) * عن طاعة الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا. * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * أي: تحفظ أعمالهم، وأحوالهم، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا. وقد أديت وظيفتك، ووجب أجرك على الله، سواء اهتدوا، أم لم يهتدوا. كما قال تعالى: * (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) * الآية. ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله، ظاهرا وباطنا، في الحضرة والمغيب. فأما من يظهر في الحضرة، الطاعة والالتزام، فإذا خلا بنفسه، أو أبناء جنسه، ترك الطاعة، وأقبل على ضدها، فإن الطاعة التي أظهرها، غير نافعة ولا مفيدة، وقد أشبه من قال الله فيهم: * (يقولون طاعة) * أي: يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك. * (فإذا برزوا من عندك) * أي: خرجوا، وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم. * (بيت طائفة منهم غير الذي تقول) * أي: بيتوا ودبروا غير طاعتك، ولا ثم إلا المعصية. وفي قوله: * (بيت طائفة منهم غير الذي تقول) * دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه، غير الطاعة، لأن التبييت، تدبير الأمر ليلا، على وجه يستقر عليه الرأي. ثم توعدهم على ما فعلوا فقال: * (والله يكتب ما يبيتون) * أي: يحفظه عليهم، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، ففيه وعيد لهم. ثم أمر رسوله، بمقابلتهم بالإعراض، وعدم التعنيف، فإنهم لا يضرونه شيئا، إذا توكل على الله، واستعان به، في نصر دينه، وإقامة شرعه. ولهذا قال: * (فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *. * (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * يأمر تعالى بتدبر كتابه، وهو: التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم
(١٨٩)