الجلد، فيكون عليهن خمسون جلدة. وأما الرجم، فليس على الإماء رجم، لأنه لا يتنصف. فعلى القول الأول، إذا لم يتزوجن، فليس عليهن حد، إنما عليهن تعزير يردعهن عن فعل الفاحشة. وعلى القول الثاني: إن الإماء غير المسلمات. إذا فعلن فاحشة أيضا عزرن. وختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين (الغفور الرحيم) لكون هذه الأحكام، رحمة بالعباد، وكرما، وإحسانا إليهم، فلم يضيق عليهم، بل وسع غاية السعة. ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحد، إشارة إلى أن الحدود كفارات، يغفر الله بها ذنوب عباده، كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد الذكر في الحد المذكور، حم الأمة، لعدم الفارق بينهما. * (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) * يخبر تعالى، بمنته العظيمة، ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعباده المؤمنين، وسهولة دينه فقال: * (يريد الله ليبين لكم) * أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه، من الحق والباطل، والحلال والحرام. * (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) * أي: الذين أنعم الله عليهم، من النبيين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم، وبين بيانا، كما بين لمن قبلكم، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل. * (ويتوب عليكم) * أي: يلطف لكم في أحوالكم، وما شرعه لكم، حتى تتمكنوا من الوقوف على ما حده الله، والاكتفاء بما أحله، فتقل ذنوبكم، بسبب ما يسر الله عليكم، فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم، أنهم إذا أذنبوا، فتح لهم أبواب الرحمة، وأوزع قلوبهم الإنابة إليه، والتذلل بين يديه، ثم يتوب عليهم، بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر، على ذلك. وقوله: * (والله عليم حكيم) * أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ومنها هذه الأشياء والحدود. ومن حكمته، أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته، التوبة عليه. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله، من لا يصلح للتوبة. وقوله: * (والله يريد أن يتوب عليكم) * أي: توبة تلم شعثكم، وتجمع متفرقكم، وتقرب بعيدكم. * (ويريد الذين يتبعون الشهوات) * أي: يميلون معها حيث مالت، ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم. فهؤلاء يريدون * (أن تميلوا ميلا عظيما) * أي: تنحرفوا عن الصراط المستقيم، إلى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن، إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها، في امتثال أوامره، إلى من الشقاوة كلها في اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى، يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم، وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم، يأمرونكم، بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أولى الداعيين، وتخيروا أحسن الطريقتين. * (يريد الله أن يخفف عنكم) * أي: بسهولة ما أمركم به، ونهاكم عنه. ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع، أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم، كالميتة والدم ونحوهما، للمضطر، وكتزوج الأمة للحر، بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة، وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان، من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر. فناسب ذلك، أن يخفف الله عنه، ما يضعف عنه، وما لا يطيقه إيمانه، وصبره، وقوته. * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) * ينهى تعالى، عباده المؤمنين، أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل. وهذا يشمل أكلها بالغصوب، والسرقات، وأخذها بالقمار، والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك، أكل مال نفسك على وجه البطر والإسراف، لأن هذا من الباطل، وليس من الحق. ثم إنه لما حرم أكلها بالباطل أباح لهم أكلها بالتجارات، والمكاسب الخالية من الموانع، المشتملة على الشروط، من التراضي وغيره. * (ولا تقتلوا أنفسكم) * أي: لا يقتل بعضكم بعضا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك، الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك. * (إن الله كان بكم رحيما) * ومن رحمته، أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك، ما رتبه من الحدود. وتأمل هذا الإيجاز والجمع، في قوله: * (لا تأكلوا أموالكم) * * (ولا تقتلوا أنفسكم) * كيف شمل أموال غيرك، ومال نفسك، وقتل نفسك، وقتل غيرك، بعبارة أخصر من قوله: (لا يأكل بعضكم مال بعض) و (لا يقتل بعضكم بعضا) مع قصور هذه العبارة على مال الغير، ونفس الغير. مع أن إضافة الأموال والأنفس إلى
(١٧٥)