المعاونة على أمر من الأمور. فمن شفع غيره، وقام معه على أمر من أمور الخير ومنه الشفاعة للمظلومين لمن ظلمهم كان له نصيب من شفاعته، بحسب سعيه وعمله، ونفعه، ولا ينقص من أجر الأصيل أو المباشر شيء. ومن عاون غيره على أمر من الشر، كان عليه كفل من الإثم بحسب ما قام به وعاون عليه. ففي هذا الحث العظيم على التعاون على البر والتقوى، والزجر العظيم عن التعاون على الإثم والعدوان. وقرر ذلك بقوله: * (وكان الله على كل شيء مقيتا) * أي: شاهدا حفيظا، حسيبا على هذه الأعمال، فيجازي كلا، ما يستحقه. * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوهآ إن الله كان على كل شيء حسيبا) * التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين، على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ، من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية، ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردا. فأمر تعالى، المؤمنين أنهم، إذا حيوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها، لفظا، وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك، النهي عن عدم الرد بالكلية، أو ردها بدونها. ويؤخذ من الآية الكريمة، الحث على ابتداء السلام والتحية، من وجهين: أحدهما: أن الله أمر بردها، بأحسن منها، أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية، مطلوبة شرعا. والثاني: ما يستفاد من أفعل التفضيل، وهو (أحسن) الدال على مشاركة التحية وردها، بالحسن، كما هو الأصل في ذلك. ويستثنى من عموم الآية الكريمة، من حيا بحال غير مأمور بها، ك (على مشتغل بقراءة، أو استماع خطبة، أو مصل ونحو ذلك) فإنه لا يطلب إجابة تحيته. وكذلك يستثنى من ذلك، من أمر الشارع بهجره، وعدم تحيته، وهو العاصي غير التائب، الذي يرتدع بالهجر، فإنه يهجر، ولا يحيا، ولا ترد تحيته، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية، كل تحية اعتادها الناس، وهي غير محظورة شرعا، فإنه مأمور بردها وبأحسن منها. ثم وعد تعالى وتوعد، على فعل الحسنات والسيئات بقوله: * (إن الله كان على كل شيء حسيبا) * فيحفظ على العباد أعمالهم، حسنها، وسيئها، صغيرها، وكبيرها، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله، وحكمه المحمود. * (الله لا إل ه إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا) * يخبر تعالى، عن انفراده بالوحدانية، وأنه لا معبود ولا مألوه إلا هو، لكماله في ذاته وأوصافه، ولكونه المنفرد بالخلق والتدبير، والنعم الظاهرة والباطنة. وذلك يستلزم الأمر بعبادته، والتقرب إليه بجميع أنواع العبودية. لكونه المستحق لذلك وحده، والمجازي للعباد، بما قاموا به من عبوديته، أو تركوه منها. ولذلك أقسم على وقوع محل الجزاء وهو يوم القيامة فقال: * (ليجمعنكم) * أي: أولكم وآخركم، في مقام واحد. * (إلى يوم القيامة لا ريب فيه) * أي: لا شك ولا شبهة، بوجه من الوجوه، بالدليل العقلي، والدليل السمعي. فالدليل العقلي، ما نشاهده من إحياء الأرض بعد موتها، ومن وجود النشأة الأولى، التي وقوع الثانية، أولى منها بالإمكان. ومن الحكمة التي يجزم، بأن الله لم يخلق خلقه عبثا، يحيون ثم يموتون. وأما الدليل السمعي، فهو إخبار أصدق الصادقين بذلك، بل إقسامه عليه، ولهذا قال: * (ومن أصدق من الله حديثا) *. كذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم عليه في غير موضع من القرآن، كقوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) *. وفي قوله: * (ومن أصدق من الله حديثا) *، * (ومن أصدق من الله قيلا) * إخبار بأن حديثه وأخباره، وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعلاها. فكل ما قيل في العقائد والعلوم والأعمال، مما يناقض ما أخبر الله به، فهو باطل، لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فلا يمكن أن يكون حقا. * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا * ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا * إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جآءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلونكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا * ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة
(١٩١)