وهذا هو الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: * (أولئك الذين لعنهم الله) * أي: طردهم عن رحمته، وأحل عليهم نقمته. * (ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) * أي: يتولاه، ويقوم بمصالحه، ويحفظه عن المكاره، هذا غاية الخذلان. * (أم لهم نصيب من الملك) * أي: فيفضلون من شاؤوا على من شاؤوا، بمجرد أهوائهم، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة. فلو كانوا كذلك، لشحوا وبخلوا أشد البخل، ولهذا قال: * (فإذا) * أي: لو كان لهم نصيب من الملك * (لا يؤتون الناس نقيرا) * أي: شيئا، ولا قليلا. وهذا وصف لهم، بشدة البخل، على تقدير وجود ملكهم، المشارك لملك الله. وأخرج هذا، مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره، عند كل أحد. * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) * أي: هل الحامل لهم على قولهم، كونهم شركاء لله، فيفضلون من شاؤوا؟ أم الحامل لهم على ذلك، الحسد للرسول وللمؤمنين، على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب، على فضل الله. * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) * وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته، من النبوة، والكتاب، والملك الذي أعطاه من أعطاه، من أنبيائه ك (داود) و (سليمان). فإنعامه لم يزل مستمرا، على عباده المؤمنين. فكيف ينكرون إنعامه، بالنبوة، والنصر، والملك، لمحمد صلى الله عليه وسلم، أفضل الخلق، وأجلهم، وأعظمهم معرفة بالله، وأخشاهم له؟ * (فمنهم من آمن به) * أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم، فنال بذلك السعادة الدنيوية، والفلاح الأخروي. * (ومنهم من صد عنه) * عنادا، وبغيا، وصدا، فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها، ما هو بعض آثار معاصيهم. * (وكفى بجهنم سعيرا) * تسعر على من كفر بالله، وجحد نبوة أنبيائه، من اليهود، والنصارى، وغيرهم، من أصناف الكفرة. ولهذا قال: * (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) * أي: عظيمة الوقود، شديدة الحرارة. * (كلما نضجت جلودهم) * أي: احترقت * (بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) * أي: ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. ولما تكرر منهم الكفر والعناد، وصار وصفا لهم وسجية؛ كرر، عليهم العذاب جزاءا وفاقا. ولهذا قال: * (إن الله كان عزيزا حكيما) * أي: له العزة العظيمة، والحكمة في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه. * (والذين آمنوا) * أي: بالله، وما أوجب الإيمان به * (وعملوا الصالحات) * من الواجبات والمستحبات * (سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهارلهم فيها أزواج مطهرة) * أي: من الأخلاق الرذيلة، والخلق الذميم، ومما يكون من نساء الدنيا، من كل دنس وعيب * (وندخلهم ظلا ظليلا) * أي: دائم الظل. * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) * الأمانات، كل ما ائتمن عليه الإنسان، وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها. ويدخل في ذلك، أمانات الولايات والأموال، والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء، أن من ائتمن أمانة؛ وجب عليه حفظها، في حرز مثلها. قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك. وفي قوله تعالى: * (إلى أهلها) * دلالة على أنها، لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمن، ووكيله بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها، لم يكن مؤديا لها. * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) * وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء، والأموال، والأعراض، القليل من ذلك، والكثير، على القريب، والبعيد، والفاجر، والولي، والعدو. والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به، هو ما شرعه الله على لسان رسوله، من الحدود والأحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل، ليحكم به. ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة، قال: * (إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) * وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه لاشتمالها على مصالح الدارين، ودفع مضارهما، لأن شارعها السميع البصير، الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم من مصالح العباد، ما لا يعلمون. ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله، وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم: الولاة على الناس، من الأمراء، والحكام، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس، أمر دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله، ورغبة فيما عنده. ولكن بشرط، أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق، في
(١٨٣)