* (رحيما) * بجميع الخلق، رحمة أوجدتهم وعافتهم، ورزقتهم من المال والبنين والقوة، وغير ذلك. رحيما بالمؤمنين، حيث وفقهم للإيمان، وعلمهم من العلم، ما يحصل به الإيقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح، وما به يدركون غاية الأرباح. وسيرون من رحمته وكرمه، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله، أن لا يحرمنا خيره، بشر ما عندنا. * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) * هاتان الآيتان، أصل في رخصة القصر، وصلاة الخوف. يقول تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * أي: في السفر، وظاهر الآية، أنه يقتضي الترخيص في أي سفر كان، ولو كان سفر معصية، كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وخالف في ذلك الجمهور، وهم الأئمة الثلاثة وغيرهم، فلم يجوزوا الترخيص في سفر المعصية، تخصيصا للآية بالمعنى والمناسبة، فإن الرخصة سهولة من الله لعباده، إذا سافروا أن يقصروا ويفطروا. والعاصي بسفره، لا يناسب حاله التخفيف. وقوله: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * أي: لا حرج ولا إثم عليكم في ذلك. ولا ينافي ذلك، كون القصر هو الأفضل، لأن نفي الحرج، إزالة لبعض الوهم الواقع في كثير من النفوس. بل ولا ينافي الوجوب، كما تقدم ذلك في سورة البقرة، في قوله: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * إلى آخر الآية. وإزالة الوهم في هذا الموضع ظاهرة، لأن الصلاة قد تقرر عند المسلمين، وجوبها على هذه الصفة التامة، ولا يزيل هذا عن نفوس أكثرهم، إلا بذكر ما ينافيه. ويدل على أفضلية القصر على الإتمام أمران: أحدهما: ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على القصر في جميع أسفاره. والثاني: أن هذا من باب التوسعة والترخيص والرحمة بالعباد. والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته. وقوله: * (أن تقصروا من الصلاة) * ولم يقل أن تقصروا الصلاة، فيه فائدتان: إحداهما: أنه لو قال أن تقصروا الصلاة، لكان القصر غير منضبط بحد من الحدود. فربما ظن أنه لو قصر معظم الصلاة، وجعلها ركعة واحدة، لأجزأه. فإتيانه بقوله: * (من الصلاة) * ليدل ذلك على أن القصر محدود مضبوط، مرجوع فيه إلى ما تقرر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الثانية: أن (من) تفيد التبعيض، ليعلم بذلك أن القصر لبعض الصلوات المفروضات، لا جميعها. فإن الفجر والمغرب، لا يقصران، وإنما الذي يقصر، الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين. فإذا تقرر أن القصر في السفر، رخصة، فاعلم أن المفسرين قد اختلفوا في هذ القيد، وهو قوله: * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * الذي يدل ظاهره، أن القصر لا يجوز إلا بوجود الأمرين كليهما، السفر مع الخوف. ويرجع حاصل اختلافهم إلى أنه هل المراد بقوله: * (أن تقصروا) * قصر العدد فقط؟ أو قصر العدد والصفة؟ فالإشكال، إنما يكون على الوجه الأول. وقد أشكل هذا على أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لنا نقصر الصلاة وقد أمنا؟ أي والله يقول: * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) *. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) أو كما قال. فعلى هذا يكون هذا القيد أتى به، نظرا لغالب الحال، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عليها. فإن غالب أسفاره أسفار جهاد. وفيه فائدة أخرى، وهي بيان الحكمة والمصلحة، في مشروعية رخصة القصر. فبين في هذه الآية أنهى ما يتصور من المشقة المناسبة للرخصة، وهي اجتماع السفر والخوف. ولا يستلزم ذلك أن لا يقصر مع السفر وحده، الذي هو مظنة المشقة. وأما على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالقصر: قصر العدد والصفة، فإن القيد على بابه. فإذا وجد السفر والخوف جاز قصر العدد، وقصر الصفة. وإذا وجد السفر وحده، جاز
(١٩٧)