النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) *. فأباح التيمم للمريض مطلقا، مع وجود الماء وعدمه والعلة، هي: المرض، الذي يشق معه استعمال الماء، وكذلك السفر، فإنه مظنة فقد الماء. فإذا فقده المسافر، ووجد ما يتعلق بحاجته، من شرب ونحوه، جاز له التيمم. وكذلك إذا أحدث الإنسان، ببول أو غائط، أو ملامسة النساء، فإنه يباح له التيمم، إذا لم يجد الماء، حضرا وسفرا، كما يدل على ذلك عموم الآية. والحاصل: أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين: حال عدم الماء، وهذا مطلقا في الحضر والسفر. وحال المشقة باستعماله، بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله: * (أو لامستم النساء) * هل المراد بذلك: الجماع، فتكون الآية نصا في جواز التيمم للجنب، كما تكاثرت بذلك الأحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك: مجرد اللمس باليد، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي، وهو المس الذي يكون لشهوة، فتكون الآية دالة على نقض الوضوء بذلك؟ واستدل الفقهاء بقوله: * (فلم تجدوا ماء) * بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت. قالوا: لأنه لا يقال: (لم يجد) لمن لم يطلب، بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب. واستدل بذلك أيضا، على أن الماء المتغير بشيء من الطاهرات، يجوز، بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله: * (فلم تجدوا ماء) * وهذا ماء. ونوزع في ذلك، أنه ماء غير مطلق، وفي ذلك نظر. وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم، الذي امتن به الله على هذه الأمة، وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء، ولله الحمد. وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض، سواء كان له غبار أم لا. ويحتمل أن يختص ذلك، بذي الغبار، لأن الله قال في آية الوضوء من سورة المائدة الآية 6: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) *. وما لا غبار له، لا يمسح به. وقوله: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * أي: منه. كما في آية (المائدة) هذا محل المسح في التيمم: الوجه جميعه، واليدان إلى الكوعين، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة، كما دل على ذلك حديث عمار، وفيه أن تيمم الجنب، كتيمم غيره، بالوجه واليدين. فائدة اعلم أن قواعد الطب، تدور على ثلاث قواعد: حفظ الصحة عن المؤذيات، والاستفراغ منها، والحمية عنها. وقد نبه تعالى، عليها في كتابه العزيز. أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي، فقد أمر بالأكل والشرب، وعدم الإسراف في ذلك. وأباح للمسافر والمريض الفطر، حفظا لصحتهما، باستعمال ما يصلح البدن، على وجه العدل، وحماية للمريض عما يضره. وأما استفراغ المؤذي، فقد أباح تعالى للمحرم المتأذى برأسه، أن يحلقه لإزالة الأبخرة المحتقنة فيه. ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها، من البول، والغائط، والقيء، والمني، والدم، وغير ذلك. نبه على ذلك ابن القيم، رحمه الله تعالى. وفي الآية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين، وأنه يجوز التيمم، ولو لم يضق الوقت، وأنه لا يخاطب بطلب الماء، إلا بعد وجود سبب الوجوب والله أعلم. ثم ختم الآية بقوله: * (إن الله كان غفورا رحيما) * أي: كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين، بتيسير ما أمرهم به، وتسهيله غاية التسهيل، بحيث لا يشق على العبد امتثاله، فيحرج بذلك. ومن عفوه ومغفرته، أن رحم هذه الأمة، بشرع الطهارة بالتراب، بدل الماء، عند تعذر استعماله. ومن عفوه ومغفرته، أن فتح للمذنبين باب التوبة والإنابة، ودعاهم إليه، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم. ومن عفوه ومغفرته، أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا، ثم لقيه لا يشرك به شيئا، لأتاه بقرابها مغفرة. * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل * والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا * من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) * هذا ذم لمن * (أوتوا نصيبا من الكتاب) * وفي ضمنه، تحذير عباده عن الاغترار بهم، والوقوع في أشراكهم. فأخبر أنهم، في أنفسهم * (يشترون الضلالة) * أي: يحبونها محبة عظيمة، ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير، في طلب ما يحبه. فيؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان، والشقاء على السعادة. ومع هذا * (يريدون أن تضلوا السبيل) *. فهم حريصون على إضلالكم، غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك. ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين، وناصرهم، بين لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال ولهذا قال: * (وكفى بالله وليا) * أي: يتولى أحوال عباده، ويلطف بهم، في جميع أمورهم،
(١٨٠)