تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٧٧
* (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) * يخبر تعالى أن * (الرجال قوامون على النساء) * أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا، بالإنفاق عليهن، والكسوة، والمسكن. ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال: * (بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) * أي: بسبب فضل الرجال على النساء، وإفضالهم عليهم. فتفضيل الرجال على النساء، من وجوه متعددة. من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات، كالجهاد، والأعياد، والجمع. وبما خصهم الله به، من العقل، والرزانة، والصبر، والجلد، الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء. ولعل هذا، سر قوله: * (بما أنفقوا) * وحذف المفعول، ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله، أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة. فوظيفته، أن يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها، القيام بطاعة ربها، وطاعة زوجها، فلهذا قال: * (فالصالحات قانتات) * أي: مطيعات لله تعالى * (حافظات للغيب) * أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب، تحفظ بعلها بنفسها، وماله، وذلك بحفظ الله لهن، وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله، كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه. ثم قال: * (واللاتي تخافون نشوزهن) * أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن، بأن تعصيه بالقول أو الفعل، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل. * (فعظوهن) * أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، والترغيب في الطاعة، والترهيب من المعصية. فإن انتهت، فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود. وإلا، ضربها ضربا غير مبرح. فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور، وأطعنكم * (فلا تبغوا عليهن سبيلا) * أي: فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر. * (إن الله كان عليا كبيرا) * أي: له العلو المطلق، بجميع الوجوه، والاعتبارات، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، الكبير الذي لا أكبر منه، ولا أجل، ولا أعظم، كبير الذات والصفات. * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) * أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين، والمباعدة والمجانبة، حتى يكون كل منهما في شق. * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * أي: رجلين مكلفين، مسلمين عدلين، عاقلين، يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ (الحكم) لأنه لا يصلح حكما، إلا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب. فإن لم يستطع أحدهما ذلك، أقنعا الزوج الآخر بالرضا، بما تيسر من الرزق والخلق. ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح، فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال، إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة، ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه، أن الله سماهما الحكمين. والحكم يحكم، وإن لم يرض المحكوم عليه. ولهذا قال: * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب، ويؤلف بين القرينين. * (إن الله كان عليما خبيرا) * أي: عالما بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها. فمن علمه وخبره، أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة، والشرائع الجميلة. * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا * الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين ينفقون أموالهم رئ آء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»