وكتم ما من الله عليه، عاص آثم، مخالف لربه. فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله، فإنه آثم عاص لربه، مستوجب للعقوبة. لأن الله إنما أمر بطاعته، وامتثال أمره، على وجه الإخلاص، كما قال تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * فهذا هو العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب، فلهذا حث تعالى عليه بقوله: * (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر) * الآية. * (وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما) * أي: أي شيء عليهم، وأي حرج ومشقة، تلحقهم، لو حصل منهم، الإيمان بالله، الذي هو الإخلاص، وأنفقوا من أموالهم، التي رزقهم الله، وأنعم بها عليهم، فجمعوا بين الإخلاص والإنفاق. ولما كان الإخلاص، سرا بين العبد وربه، لا يطلع عليه إلا الله، أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال: * (وكان الله بهم عليما) *. * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله، وتنزهه عما يضاد ذلك، من الظلم القليل، والكثير فقال: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * أي: ينقصها من حسنات عبده، أو يزيدها في سيئاته. كما قال تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *. * (وإن تك حسنة يضاعفها) * أي: إلى عشرة أمثالها: أي أكثر من ذلك، بحسب حالها ونفعها، وحال صاحبها، إخلاصا ومحبة وكمالا. * ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * أي: زيادة على ثواب العمل بنفسه، من التوفيق لأعمال أخر، وإعطاء البر الكثير، والخير الغزير. ثم قال تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * أي: كيف تكون تلك الأحوال، وكيف يكون ذلك الحكم العظيم، الذي جمع أن من حكم به، كامل العلم، كامل العدل، كامل الحكمة، بشهادة أزكى الخلق، وهم الرسل، على أممهم، مع إقرار المحكوم عليه؟ فهذا والله الحكم، الذي هو أعم الأحكام، وأعدلها، وأعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له، لكمال الفضل والعدل، والحمد والثناء. وهناك يسعد أقوام، بالفوز والفلاح، والعز والنجاح. ويشقى أقوام، بالخزي والفضيحة، والعذاب المبين. * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على ه ؤلاء شهيدا * يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) * ولهذا قال: * (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول) * أي: جمعوا بين الكفر بالله ورسوله، ومعصية الرسول * (لو تسوى بهم الأرض) * أي: تبتلعهم، ويكونون ترابا وعدما، كما قال تعالى: * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) *. * (ولا يكتمون الله حديثا) * أي: بل يعترفون له بما عملوا، وتشهد عليهم ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم، بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم: جزاءهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين. فأما ما ورد، من أن الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم، فإن ذلك يكون في بعض مواضع القيامة، حين يظنون أن جحودهم ينفعهم من عذاب الله. فإذا عرفوا الحقائق، وشهدت عليهم جوارحهم، حينئذ ينجلي الأمر، ولا يبقى للكتمان موضع، ولا نفع، ولا فائدة. * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) * ينهى تعالى عباده المؤمنين، أن يقربوا الصلاة، وهم سكارى، حتى يعلموا ما يقولون. وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة، كالمسجد، فإنه لا يمكن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة، فإنه، لا يجوز للسكران، صلاة، ولا عبادة، لاختلاط عقله، وعدم علمه بما يقول، ولهذا حدد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم، بما يقول السكران. وهذه الآية الكريمة، منسوخة بتحريم الخمر مطلقا. فإن الخمر في أول الأمر كان غير محرم. ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه، بقوله: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) *. ثم إنه تعالى، نهاهم عن الخمر، عند حضور الصلاة، كما في هذه الآية. ثم إنه تعالى، حرمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) * الآية. ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة، لتضمنه هذه المفسدة العظيمة. بعد حصول مقصود الصلاة، الذي هو روحها ولبها، وهو الخشوع وحضور القلب، فإن الخمر يسكر القلب، ويصد عن ذكر الله، وعن الصلاة. ويؤخذ من المعنى، منع الدخول في الصلاة، في حال النعاس، المفرط، الذي لا يشعر صاحبه، بما يقول ويفعل. بل لعل فيه إشارة، إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة، أن يقطع عنه كل شاغل، يشغل فكره، كمدافعة الأخبثين، والتوق لطعام ونحوه، ما ورد في ذلك الحديث الصحيح. ثم قال: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * أي: لا تقربوا الصلاة، حالة كون أحدكم جنبا إلا في هذه الحال، وهو عابر السبيل أي: تمرون في المسجد، ولا تمكثون فيه. * (حتى تغتسلوا) * أي: فإذا اغتسلتم، فهو غاية المنع، من قربان الصلاة للجنب. فيحل للجنب، المرور في المسجد فقط. * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
(١٧٩)