تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٦٩
رتب عليه الإرث. فعلم من ذلك، أن القتل أكبر مانع يمنع من الميراث، ويقطع الرحم الذي قال الله فيه: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *. مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية، أن (من استعجل شيئا قبل أوانه، عوقب بحرمانه). وبهذا نحوه، يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له. وذلك أنه قد تعارض الموجب، الذي هو: اتصال النسب، الموجب للإرث، والمانع الذي هو المخالفة في الدين، الموجبة للمباينة من كل وجه. فقوي المانع، ومنع موجب الإرث، الذي هو النسب. فلم يعمل الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين، أولى من حقوق الأقارب الكفار الدنيوية. فإذا مات المسلم، انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق به. فيكون قوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * إذا اتفقت أديانهم. وأما مع تباينهم، فالأخوة الدينية، مقدمة على الأخوة النسبية المجردة. قال ابن القيم في (جلاء الأفهام): (وتأمل هذا المعنى من آية المواريث، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة، دون المرأة كما في قوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) *. ففيه إيذان بأن التوارث، إنما وقع بالزوجية، المقتضية للتشاكل والتناسب. والمؤمن والكافر، لا تشاكل بينهما، ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته، فوق عقول العاقلين انتهى. حكم الرقيق في الميراث وأما (الرقيق)، فإنه لا يرث ولا يورث. أما كونه لا يورث فواضح، لأنه ليس له مال يورث عنه، بل كل ما معه، فهو لسيده. وأما كونه لا يرث، فلأنه لا يملك، فإنه لو ملك، لكان لسيده، وهو أجنبي من الميت، فيكون مثل قوله تعالى: * (للذكر مثل حظ الأنثيين ولكم نصف ما ترك أزواجكم فلكل واحد منهما السدس) * ونحوها، لمن يتأتى منه التملك. وأما الرقيق، فلا يتأتى منه ذلك، فعلم أنه لا ميراث له. وأما من بعضه حر، وبعضه رقيق، فإنه تتبعض أحكامه. فما فيه من الحرية، يستحق بها ما رتبه الله في المواريث، لكون ما فيه من الحرية، قابلا للتملك، وما فيه من الرق، فليس بقابل لذلك. فإذا يكون المبعض، يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية. وإذا كان العبد يكون محمودا ومذموما، مثابا ومعاقبا، بقدر ما فيه من موجبات ذلك، فهذا كذلك. حكم الخنثى والمشكل في الميراث وأما (الخنثى) فلا يخلو، إما أن يكون واضحا ذكوريته أو أنوثيته، أو مشكلا. فإن كان واضحا، فالأمر فيه واضح. إن كان ذكرا، فله حكم الذكور، ويشمله النص الوارد فيهم. وإن كانت أنثى، فلها حكم الإناث، ويشملها النص الوارد فيهن. وإن كان مشكلا، فإن كان الذكر والأنثى لا يختلف إرثهما كالإخوة للأم فالأمر فيه واضح. وإن كان يختلف إرثه، بتقدير ذكوريته، وبتقدير أنوثيته، ولم يبق لنا طريق إلى العلم بذلك، لم نعطه أكثر التقديرين، لاحتمال ظلم من معه من الورثة، ولم نعطه الأقل، لاحتمال ظلمنا إياه. فوجب التوسط بين الأمرين، وسلوك أعدل الطريقين، قال تعالى: * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) *. فليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا، أكثر من هذا الطريق المذكور. * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * * (فاتقوا الله ما استطعتم) *. ميراث الجد وأما (ميراث الجد) مع الإخوة الأشقاء، أو لأب، وهل يرثون معه أم لا؟ فقد دل كتاب الله، على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن الجد يحجب الإخوة، أشقاء، أو لأب، أو لأم، كما يحجبهم الأب. وبيان ذلك: أن الجد: أب في غير موضع في القرآن كقوله تعالى: * (إذ حضر يعقوب الموت، إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحق) * الآية. وقال يوسف عليه السلام: * (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) *. فسمى الله الجد، وجد الأب، أبا. فدل ذلك، على أن الجد، بمنزلة الأب، يرث ما يرثه الأب، ويحجب من يحجبه (أي: عند عدمه). وإذا كان العلماء، قد أجمعوا على أن الجد، حكمه حكم الأب عند عدمه في ميراثه مع الأولاد وغيرهم، من بين الإخوة والأعمام وبنيهم، وسائر أحكام المواريث فينبغي أيضا، أن يكون حكمه حكمه، في حجب الإخوة لغير أم. وإذا كان ابن الابن بمنزلة ابن الصلب، فلم لا يكون الجد بمنزلة الأب؟ وإذا كان جد الأب، مع ابن الأخ، قد اتفق العلماء على أنه يحجبه. فلم لا يحجب جد الميت أخاه؟ فليس مع من يورث الإخوة مع الجد، نص ولا إشارة، ولا تنبيه، ولا قياس صحيح. العول وأحكامه وأما مسائل (العول) فإنه يستفاد حكمها من القرآن. وذلك أن الله تعالى، قد فرض، وقدر لأهل المواريث أنصباء.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»