تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٧٤
الغالب، لا مفهوم له. فإن الربيبة تحرم، ولو لم تكن في حجره، ولكن للتقييد بذلك فائدتان: إحداهما: التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة، وأنها كانت بمنزلة البنت، فمن المستقبح إباحتها. والثانية: فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة، وأنها بمنزلة من هي في حجره من بناته ونحوهن. والله أعلم. وأما المحرمات بالجمع، فقد ذكر الله، الجمع بين الأختين، وحرمه. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها. فكل امرأتين بينهما رحم محرم، لو قدر إحداهما ذكرا، والأخرى أنثى، حرمت عليه، فإنه يحرم الجمع بينهما، وذلك لما في ذلك من أسباب التقاطع بين الأرحام. ومن المحرمات في النكاح * (المحصنات من النساء) * أي: ذوات الأزواج. فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج، حتى تطلق، وتنقضي عدتها. و * (إلا ما ملكت أيمانكم) * أي: بالسبي. فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج، حلت للمسلمين، بعد أن تستبرأ. وأما إذا بيعت الأمة المزوجة، أو وهبت، فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني، نزل منزلة الأول، ولقصة بريرة، حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: * (كتاب الله عليكم) * أي: الزموه واهتدوا به، فإن فيه الشفاء والنور، وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * كل ما لم يذكر في هذه الآية، فإنه حلال طيب. فالحرام محصور، والحلال ليس له حد ولا حصر، لطفا من الله ورحمة، وتيسيرا للعباد. وقوله: * (أن تبتغوا بأموالكم) * أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم، من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم * (محصنين) * أي: مستعفين عن الزنا، ومعفين نساءكم. * (غير مسافحين) * والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك، لا يحصن زوجته، لكونه وضع شهوته في الحرام، فتضعف داعيته للحلال، فلا يبقى محصنا لزوجته. وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف، لقوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) *. * (فما استمتعتم به منهن) * أي: من تزوجتموها * (فآتوهن أجورهن) * أي: الأجور، في مقابلة الاستمتاع. ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته، تقرر عليه صداقها. * (فريضة) * أي: إتيانكم إياهن أجورهن، فرض فرضه الله عليكم، ليس بمنزلة التبرع، الذي إن شاء أمضاه، وإن شاء رده. أو معنى قوله فريضة: أي مقدرة قد قدرتموها، فوجبت عليكم، فلا تنقصوا منها شيئا. * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * أي: بزيادة من الزوج، أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس، هذا قول كثير من المفسرين. وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام، ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يؤمر بتوقيتها، وأجرها، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما، فتراضيا بعد الفريضة، فلا حرج عليهما، والله أعلم. * (إن الله كان عليما حكيما) * أي: كامل العلم واسعه، كامل الحكمة. فمن علمه وحكمته، شرع لكم هذه الشرائع، وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام. * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم) * ثم قال تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * الآية. أي: ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات، أي: الحرائر المؤمنات، وخاف على نفسه العنت، أي: الزنا والمشقة الكثيرة، فيجوز له نكاح الإماء المملوكات المؤمنات. وهذا بحسب ما يظهر، وإلا، فالله أعلم بالمؤمن الصادق من غيره. فأمور الدنيا مبنية على ظواهر الأمور، وأحكام الآخرة مبنية على ما في البواطن. * (فانكحوهن) * أي: المملوكات * (بإذن أهلهن) * أي: سيدهن، واحدا، أو متعددا. * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * أي: ولو كن إماء، فإنه كما يجب المهر للحرة، فكذلك يجب للأمة. ولكن لا يجوز نكاح الإماء، إلا إذا كن * (محصنات) * أي: عفيفات عن الزنا. * (غير مسافحات) * أي: زانيات علانية. * (ولا متخذات أخدان) * أي: أخلاء في السر. فالحاصل، أنه لا يجوز للحر المسلم، نكاح أمة، إلا بأربعة شروط ذكرها الله: إيمانهن، والعفة ظاهرا، وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف العنت. فإذا تمت هذه الشروط، جاز له نكاحهن. ومع هذا، فالصبر عن نكاحهن أفضل، لما فيه من تعريض الأولاد للرق، ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن الحرام، إلا بنكاحهن، وجب ذلك. ولهذا قال: * (وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم) *. وقوله: * (فإذا أحصن) * أي: تزوجن أو أسلمن، أي: الإماء * (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات) * أي: الحرائر * (من العذاب) *. وذلك الذي يمكن تنصيفه، وهو:
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»