وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل، للأجنبي الذي هو غير وارث. وأما غير ذلك، فلا ينفذ، إلا بإجازة الورثة، قال تعالى: * (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) *. فلو رد تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم، لحصل من الضرر، ما الله به عليم، لنقص العقول، وعدم معرفتها بما هو اللائق والأحسن، في كل زمان ومكان. فلا يدرون أي الأولاد، أو الوالدين، أنفع لهم وأقرب، لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية. * (فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) * أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علما، وأحكم ما شرعه، وقدر ما قدره، على أحسن تقدير، لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة، لكل زمان، ومكان، وحال. حكم الزوج والزوجات في الميراث ثم قال تعالى: * (ولكم) * أيها الأزواج * (نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) *. ويدخل في مسمى الولد، المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد الابن الذكر والأنثى، الواحد والمتعدد، الذي من الزوج، أو من غيره، ويخرج عنه، ولد البنات إجماعا. بيان معنى (الكلالة) ونصيبها في الميراث ثم قال تعالى: * (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت) * أي: من أم، كما هي في بعض القراءات. وأجمع العلماء على أن المراد بالإخوة هنا الإخوة للأم. فإذا كان يورث كلالة أي: ليس للميت والد ولا ولد، أي: لا أب، ولا جد، ولا ابن، ولا ابن ابن، ولا بنت، ولا بنت ابن وإن نزلوا. وهذه هي: الكلالة، كما فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حصل على ذلك الاتفاق، ولله الحمد. * (فلكل واحد منهما) * أي: من الأخ والأخت * (السدس) *. * (فإن كانوا أكثر من ذلك) * أي: من واحد * (فهم شركاء في الثلث) * أي: لا يزيدون على الثلث، ولو زادوا على اثنين. ودل قوله: * (فهم شركاء في الثلث) * أن ذكرهم وأنثاهم سواء، لأن لفظ (الشريك) يقتضي التسوية. ودل لفظ: * (الكلالة) * على أن الفروع وإن نزلوا، والأصول الذكور وإن علوا، يسقطون أولاد الأم، لأن الله لم يورثهم إلا في الكلالة، فلو لم يكن يورث كلالة، لم يرثوا منه شيئا، اتفاقا. ودل قوله: * (فهم شركاء في الثلث) * أن الإخوة الأشقاء، يسقطون في المسألة المسماة بالحمارية. وهي: زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء. فللزوج النصف. وللأم السدس. وللإخوة للأم الثلث. ويسقط الأشقاء، لأن الله أضاف الثلث للإخوة من الأم. فلو شاركهم الأشقاء، لكان جمعا لما فرق الله حكمه. وأيضا، فإن الإخوة للأم، أصحاب فروض، والأشقاء عصبات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي، فلأولى رجل ذكر). وأهل الفروض هم: الذين قدر الله أنصباءهم. ففي هذه المسألة، لا يبقى بعدهم شيء، فيسقط الأشقاء، وهذا هو الصواب في ذلك. وأما ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء، أو لأب، فمذكور في قوله: * (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) * الآية. فالأخت الواحدة، شقيقة، أو لأب، لها النصف. والثنتان، لهما الثلثان. والشقيقة الواحدة مع الأخت للأب، أو الأخوات، تأخذ النصف والباقي من الثلثين، للأخت، أو الأخوات لأب، وهو السدس، تكملة الثلثين. وإذا استغرقت الشقيقات الثلثين، تسقط الأخوات للأب، كما تقدم في البنات، وبنات الابن. وإن كان الإخوة، رجالا ونساء، فللذكر مثل حظ الأنثيين. حكم القاتل واختلاف دين الميت وأقربائه فإن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل، والرقيق، والمخالف في الدين، والمبعض والخنثى، والجد مع الإخوة لغير أم، والعول، والرد وذوي الأرحام، وبقية العصبة، والأخوات لغير أم، مع البنات، أو بنات الابن، من القرآن أم لا؟ قيل: نعم، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة، يعسر فهمها على غير المتأمل، تدل على جميع المذكورات. فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية، في توزيع المال على الورثة، بحسب قربهم، ونفعهم الديني والدنيوي. وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله: * (لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) *. وقد علم أن القاتل، قد سعى لمورثه بأعظم الضرر، فلا ينتهض ما فيه، من موجب الإرث، أن يقاوم ضرر القتل، الذي هو ضد النفع الذي
(١٦٨)