تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٧٠
وهم بين حالتين: إما أن يحجب بعضهم بعضا، أو لا. فإن حجب بعضهم بعضا، فالمحجوب ساقط، لا يزاحم، ولا يستحق شيئا وإن لم يحجب بعضهم بعضا، فلا يخلو. إما أن لا تستغرق الفروض التركة، أو تستغرقها من غير زيادة ولا نقص أو تزيد الفروض على التركة. ففي الحالتين الأوليين، كل يأخذ فرضه كاملا. وفي الحالة الأخيرة وهي ما إذا زادت الفروض على التركة فلا يخلو من حالين: إما أن ننقص بعض الورثة عن فرضه الذي فرضه الله له، ونكمل للباقين منهم فروضهم، وهذا ترجيح بغير مرجح، وليس نقصان أحدهم بأولى من الآخر. فتعينت الحال الثانية، وهو: أننا نعطي كل واحد منهم نصيبه، بقدر الإمكان، ونحاصص بينهم، كديون الغرماء الزائدة على مال الغريم ولا طريق موصل إلى ذلك إلا بالعول. فعلم من هذا، أن العول في الفرائض، قد بينه الله في كتابه. بيان أحكام الرد على أصحاب الفرائض وبعكس هذه الطريقة بعينها، يعلم (الرد). فإن أهل الفروض إذا لم تستغرق فروضهم التركة، وبقي شيء ليس له مستحق، من عاصب قريب ولا بعيد، فإن رده على أحدهم، ترجيح بغير مرجح، وإعطاؤه غيرهم، ممن ليس بقريب للميت، جنف وميل، ومعارضة لقوله: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *. فتعين أن يرد على أهل الفروض، بقدر فروضهم. حكم الرد على الزوجين في الميراث وما كان الزوجان، ليسا من القرابة، لم يستحقا الزيادة على فرضهم المقدر عند القائلين، بعدم الرد عليهما. وأما على القول الصحيح أن حكم الزوجين، حكم باقي الورثة في الرد، فالدليل المذكور، شامل للجميع، كما شملهم دليل العول. حكم ذوي الأرحام في الميراث وبهذا يعلم أيضا ميراث ذوي الأرحام. فإن الميت إذا لم يخلف صاحب فرض، ولا عاصبا، وبقي الأمر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال، لمنافع الأجانب، وبين كون ماله يرجع إلى أقربائه المدلين بالورثة، المجمع عليهم، تعين الثاني. ويدل على ذلك قوله تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *. فصرفه لغيرهم، ترك لمن هو أولى من غيره، فتعين توريث ذوي الأرحام. وإذا تعين توريثهم، فقد علم أنه ليس لهم نصيب مقدر بأعيانهم في كتاب الله. وأن بينهم وبين الميت وسائط، صاروا بسببها من الأقارب. فينزلون منزلة من أدلوا به من تلك الوسائط. والله أعلم. بيان من هم عصبة الميت وحكمهم في الميراث وأما (ميراث بقية العصبة) كالبنوة والإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم إلخ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر). وقال تعالى: * (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) *. فإذا ألحقنا الفروض بأهلها، ولم يبق شيء، لم يستحق العاصب شيئا. وإن بقي شيء، أخذه أولي العصبة، بحسب جهاتهم، ودرجاتهم. جهات العصبة فإن جهات العصوبة خمس: البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة وبنوهم، ثم العمومة وبنوهم، ثم الولاء، ويقدم منهم الأقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة، فالأقرب منزلة. فإن كانوا بمنزلة واحدة، فالأقوى، وهو الشقيق. فإن تساووا من كل وجه، اشتركوا. والله أعلم. وأما كون الأخوات لغير أم، مع البنات، أو بنات الابن عصبات، يأخذن ما فضل عن فروضهن، فلأنه ليس في القرآن، ما يدل على أن الأخوات يسقطن بالبنات. فإذا كان الأمر كذلك، وبقي شيء بعد أخذ البنات فرضهن، فإنه يعطى للأخوات، ولا يعدل عنهن إلى عصبة أبعد منهن، كابن الأخ والعم، ومن هو أبعد منهم. والله أعلم. * (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) * أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث، حدود الله، التي يجب الوقوف معها، وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. وفي ذلك دليل، على أن الوصية للوارث منسوخة، بتقديره تعالى أنصباء الوارثين. ثم قوله تعالى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * فالوصية للوارث، بزيادة
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»