للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم. بل متى * (أردتم استبدال زوج مكان زوج) * أي: تطليق زوجة، وتزوج أخرى. أي: فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج. ولكن إذا * (آتيتم إحداهن) * أي: المفارقة، أو التي تزوجها * (قنطارا) * أي: مالا كثيرا. * (فلا تأخذوا منه شيئا) * بل، وفروه لهن، ولا تمطلوا بهن. وفي هذه الآية، دلالة على عدم تحريم كثرة المهر، مع أن الأفضل واللائق، الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر. ووجه الدلالة، أن الله أخبر عن أمر يقع منهم، ولم ينكره عليهم. فدل على عدم تحريمه. لكن قد ينهى عن كثرة الصداق، إذا تضمن مفسدة دينية، وعدم مصلحة تقاوم. ثم قال: * (أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) * فإن هذا لا يحل، ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل، فإن إثمه واضح. وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله: * (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) *. وبيان ذلك: أن الزوجة قبل عقد النكاح، محرمة على الزوج، ولم ترض بحلها له إلا بذلك المهر، الذي يدفعه لها. فإذا دخل بها، وأفضى إليها، وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك، والتي لم ترض ببذلها إلا بذلك العوض، فإنه قد استوفى المعوض، فثبت عليه العوض. فكيف يستوفى المعوض، ثم بعد ذلك يرجع في العوض؟ هذا من أعظم الظلم والجور. وكذلك أخذ الله على الأزواج، ميثاقا غليظا، بالعقد، والقيام بحقوقها. * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) * أي: لا تتزوجوا من النساء، ما تزوجهن آباؤكم، أي: الأب وإن علا. * (إنه كان فاحشة) * أي: أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه * (ومقتا) * من الله لكم ومن الخلق، بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه، والأب ابنه، مع الأمر ببره. * (وساء سبيلا) * أي: بئس الطريق طريقا لمن سلكه، لأن هذا من عوائد الجاهلية، التي جاء الإسلام بالتنزه عنها، والبراءة منها. * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) * هذه الآيات الكريمات، مشتملات على المحرمات بالنسب، والمحرمات بالصهر، والمحرمات بالجمع، وعلى المحللات من النساء. فأما المحرمات في النسب، فهي السبع اللاتي ذكرهن الله: الأم، يدخل فيها، كل من لها عليك ولادة، وإن بعدت. ويدخل في البنت كل من لك عليها ولادة، والأخوات الشقيقات، أو لأب أو لأم. والعمة: كل أخت لأبيك، أو لجدك، وإن علا. والخالة: كل أخت لأمك، أو جدتك وإن علت، وارثة أم لا. وبنات الأخ، وبنات الأخت، أي: وإن نزلت. فهؤلاء هن المحرمات من النسب، بإجماع العلماء، كما هو نص الآية الكريمة، وما عداهن فيدخل في قوله: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) *، وذلك كبنت العمة والعم، وبنت الخال والخالة. وأما المحرمات بالرضاع، فقد ذكر الله منهن، الأم، والأخت. وفي ذلك تحريم الأم مع أن اللبن ليس لها، إنما هو لصاحب اللبن. دل بتنبيهه على أن صاحب اللبن، يكون أبا للمرتضع. فإذا ثبتت الأبوة والأمومة، ثبت ما هو فرع عنهما، كإخوتهما، وأصولهما، وفروعهما. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع، ما يحرم من النسب). فينتشر التحريم من جهة المرضعة، ومن له اللبن، كما ينتشر في الأقارب، وفي الطفل المرتضع، إلى ذريته فقط. لكن بشرط أن يكون الرضاع، خمس رضعات في الحولين، كما بينت السنة. وأما المحرمات بالصهر، فهن أربع. حلائل الآباء وإن علوا، وحلائل الأبناء، وإن نزلوا، وارثين، أو محجوبين. وأمهات الزوجة، وإن علون. فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد العقد. والرابعة: الربيبة، وهي بنت زوجته وإن نزلت، فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته كما قال هنا: * (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) * الآية. وقد قال الجمهور: إن قوله: * (اللاتي في حجوركم) * قيد خرج بمخرج
(١٧٣)