العذاب * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) * أي: بغير حق. وهذا القيد، يخرج به ما تقدم، من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى. فمن أكلها ظلما، فإنما * (يأكلون في بطونهم نارا) * أي: فإن الذي أكلوه، نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوه في بطونهم * (وسيصلون سعيرا) * أي: نارا محرقة متوقدة. وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار. فدل ذلك، أنها من أكبر الكبائر: نسأل الله العافية. * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم) * أحكام المواريث بيان أصحابها هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة من آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس، الثابت في صحيح البخاري (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي، فلأولى رجل ذكر) مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها، كما سترى ذلك، إلا ميراث الجدات، فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن، عن المغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك. بيان ميراث الأولاد * (يوصيكم الله في أولادكم) * أي: أولادكم يا معشر الوالدين عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية. فتعلمونهم وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) * فالأولاد عند والديهم موصى بهم. فإما أن يقوموا بتلك الوصية، فلهم جزيل الثواب. وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهما، عليهم. ثم ذكر كيفية إرثهم فقال: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * أي: الأولاد للصلب، والأولاد للابن، للذكر مثل حظ الأنثيين، إن لم يكن معهم صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض، يقتسمونه كذلك. وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه مع وجود أولاد الصلب فالميراث لهم. وليس لأولاد الابن شيء، حيث كان أولاد الصلب، ذكورا وإناثا. هذا مع اجتماع الذكور والإناث. وهنا حالتان: انفراد الذكور، وسيأتي حكمها. وانفراد الإناث، وقد ذكره بقوله: أحكام البنات في الميراث * (فإن كن نساء فوق اثنتين) * أي: بنات صلب، أو بنات ابن، ثلاثا فأكثر * (فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة) * أي: بنتا، أو بنت ابن * (فلها النصف) * وهذا إجماع. بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين، الثلثين بعد الإجماع على ذلك؟ فالجواب أنه يستفاد من قوله: * (فإن كانت واحدة فلها النصف) *. فمفهوم ذلك، أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، ولا ثم بعده إلا الثلثان. وأيضا، فقوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * إذا خلف ابنا وبنتا، فإن الابن، له الثلثان، وقد أخبر الله، أنه مثل حظ الأنثيين. فدل ذلك، على أن للبنتين الثلثين. وأيضا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها وهو أزيد ضررا عليها من أختها فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى. وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * نص في الأختين الثلثين. فإذا كان الأختان الثنتان مع بعدهما يأخذان الثلثين، فالابنتان مع قربهما من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم، ابنتي سعد، الثلثين كما في الصحيح. بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: * (فوق اثنتين) *؟ قيل: الفائدة في ذلك والله أعلم أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان، لا يزيد بزيادتهن على الثنتين، بل من الثنتين فصاعدا. ودلت الآية الكريمة، أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب، النصف، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات، أو بنات الابن، السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس، تكملة الثلثين.
(١٦٦)