تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٧٢
يتوبون قبل معاينة الموت. فإن الله يقبل توبة العبد، إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب، قطعا. وأما بعد حضور الموت، فلا يقبل من العاصين توبتهم، ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: * (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * الآية. وقال تعالى: * (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) *. وقال هنا: * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) * أي: المعاصي فيما دون الكفر. * (حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما) *. وذلك، أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار، لا تنفع صاحبها. إنما تنفع الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله: * (من قريب) * أي: قريب من فعلهم الذنب، الموجب للتوبة. فيكون المعنى: من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب، وأناب إلى الله، وندم عليه فإن الله يتوب عليه. بخلاف من استمر على ذنبه، وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفات راسخة، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة. والغالب أنه لا يوفق للتوبة، ولا ييسر لأسبابها. كالذي يعمل السوء على علم قائم ويقين، متهاون بنظر الله إليه، فإنه يسد على نفسه باب الرحمة. نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب، على عمد ويقين، للتوبة النافعة، التي يمحو بها ما سلف من سيئاته، وما تقدم من جناياته ولكن الرحمة والتوفيق للأول، أقرب. ولهذا ختم الآية الأولى بقوله: * (وكان الله عليما حكيما) *. فمن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها، فيجازي كلا منهما، بحسب ما استحق بحكمته. ومن حكمته، أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته، توفيقه للتوبة. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله، عدم توفيقه. والله أعلم. * (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) * كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه، كأخيه، وابن عمه ونحوهما، أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت. فإن أحبها، تزوجها على صداق، يحبه دونها. وإن لم يرضها، عضلها، فلا يزوجها إلا من يختاره هو. وربما امتنع من تزويجها، حتى تبذل له شيئا من ميراث قريبه، أو من صداقها. وكان الرجل أيضا، يعضل زوجته التي يكون يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين: إذا رضيت، واختارت نكاح قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله: * (كرها) *. وإذا أتين بفاحشة مبينة، كالزنا، والكلام الفاحش، وأذيتها لزوجها، فإنه في هذه الحال، يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها، لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل. ثم قال: * (وعاشروهن بالمعروف) * وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية. فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة، والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته، المعروف، من مثله لمثلها، في ذلك الزمان والمكان. وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال. * (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) *. أي: ينبغي لكم أيها الأزواج أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك، خيرا كثيرا. من ذلك، امتثال أمر الله، وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسه مع عدم محبته لها فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول، وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا، نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله، مع الإمكان في الإمساك، وعدم المحذور. فإذا كان لا بد من الفراق، وليس
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»