العباد كله يرجع إلى الله ويرثه تعالى وهو خير الوارثين فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك ثم ذكر ثالثا: السبب الجزائي فقال: * (والله بما تعملون خبير) * فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعا - ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات والعقوبات على الشر - لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب (181 - 182) * (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) * يخبر تعالى عن قول هؤلاء المتمردين الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها وأسمجها فأخبر أنه قد سمع ما قالوه وأنه سيكتبه ويحفظه مع أفعالهم الشنيعة وهو: قتلهم الأنبياء الناصحين وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة وأنه يقال لهم - بدل قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء - * (ذوقوا عذاب الحريق) * المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم فإنه * (فليس بظلام للعبيد) * فإنه منزه عن ذلك وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخازي والقبائح التي أوجبت استحقاقهم العذاب وحرمانهم الثواب وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود تكلموا بذلك وذكروا منهم فنحاص بن عازوراء من رؤوساء علماء اليهود في المدينة وأنه لما سمع قول الله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) * * (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * قال: - على وجه التكبر والتجرؤ - هذه المقالة قبحه الله فذكرها الله عنهم وأخبر أنه ليس ببدع من شنائعهم بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك وهو: * (قتلهم الأنبياء بغير حق) * هذا القيد يراد به أنهم تجرأوا على قتلهم مع علمهم بشناعته لا جهلا وضلالا بل تمردا وعنادا (183 - 184) * (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين * فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جآءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير) * يخبر تعالى عن حال هؤلاء المفترين القائلين: * (إن الله عهد إلينا) * أي: تقدم إلينا وأوصى * (أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) * فجمعوا بين الكذب على الله وحصر آية الرسل بما قالوه من هذا الإفك المبين وأنهم إن لم يؤمنوا برسول لم يأتهم بقربان تأكله النار فهم - في ذلك - مطيعون لربهم ملتزمون عهده وقد علم أن كل رسول يرسله الله يؤيده من الآيات والبراهين بما على مثله آمن البشر ولم يقصرها على ما قالوه ومع هذا فقد قالوا إفكا لم يلتزموه وباطلا لم يعملوا به ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم: * (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات) * الدالات على صدقهم * (وبالذي قلتم) * بأن أتاكم بقربان تأكله النار * (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) * أي: في دعواكم الإيمان برسول يأتيكم بقربان تأكله النار فقد تبين بهذا كذبهم وعنادهم وتناقضهم ثم بشر رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: * (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) * أي: هذه عادة الظالمين ودأبهم الكفر بالله وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله عن تصور بما أتوا به أو عدم تبين حجة بل قد * (جاؤوا بالبينات) * أي: الحجج العقلية والبراهين النقلية * (والزبر) * أي: الكتب المزبورة المنزلة من السماء التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل * (والكتاب المنير) * للأحكام الشرعية وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية ومنير أيضا للأخبار الصادقة فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل الذين هذا وصفهم فلا يحزنك أمرهم ولا يهمك شأنهم (185): * (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ثم قال تعالى كل نفس ذائقة الموت الآية) * هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها وأنها متاع الغرور تفتن بزخرفها وتخدع بغرورها وتغر بمحاسنها ثم هي منتقلة ومنتقل عنها إلى دار القرار التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار من خير وشر * (فمن زحزح) * أي: أخرج * (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) * أي: حصل له الفوز العظيم بالنجاة من العذاب الأليم والوصول إلى جنات النعيم التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومفهوم الآية أن من لم يزحزح عن
(١٥٩)