تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٦٥
استمر غير محسن للتصرف، لم يدفع إليه ماله، بل هو باق على سفهه، ولو بلغ عمرا كثيرا. فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح * (فادفعوا إليهم أموالهم) * كاملة موفرة. * (ولا تأكلوها إسرافا) * أي: مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم، من أموالكم إلى الحرام الذي حرمه الله عليكم من أموالهم. * (وبدارا أن يكبروا) * أي: ولا تأكلوها، في حال صغرهم، التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من الأمور الواقعة، من كثير من الأولياء، الذين ليس عندهم خوف من الله، ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم. يرون هذه الحال، حال فرصة، فيغتنمونها، ويتعجلون ما حرم الله عليهم. فنهى الله تعالى، عن هذه الحالة بخصوصها. * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * كان العرب في الجاهلية من جبروتهم وقسوتهم، لا يورثون الضعفاء، كالنساء والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء. لأنهم بزعمهم أهل الحرب والقتال، والنهب والسلب. فأراد الرب الرحيم الحكيم، أن يشرع لعباده شرعا، يستوي فيه رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي ذلك، أمرا مجملا، لتتوطن على ذلك النفوس. فيأتي التفصيل بعد الإجمال، قد تشوفت له النفوس، وزالت الوحشة، التي منشأها، العادات القبيحة فقال: * (للرجال نصيب) * أي: قسط وحصة * (مما ترك) * أي: خلف * (الوالدن) * أي: الأب والأم * (والأقربون) * عموما بعد خصوص * (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) *. فكأنه قيل: هل ذلك النصيب، راجع إلى العرف والعادة، وأن يرضخوا لهم ما يشاؤون؟ أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى: * (نصيبا مفروضا) * أي: قدره العليم الحكيم. وسيأتي إن شاء الله تقدير ذلك. وأيضا، فهنا توهم آخر، لعل أحدا يتوهم أن النساء والوالدين، ليس لهم نصيب، إلا من المال الكثير، فأزال ذلك بقوله: * (مما قل منه أو كثر) * فتبارك الله أحسن الحاكمين. * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) * وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة، الجابرة للقلوب فقال: * (وإذا حضر القسمة) * أي: قسمة المواريث * (أولو القربى) * أي: الأقارب غير الوارثين، بقرينة قوله: * (القسمة) * لأن الوارثين من المقسوم عليهم. و * (اليتامى والمساكين) * أي: المستحقون من الفقراء. * (فارزقوهم منه) * أي: أعطوهم ما تيسر من هذا المال، الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء، ولا نصب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة. فأجبروا خواطرهم، بما لا يضركم، وهو نافعهم. ويؤخذ من المعنى، أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه، ما تيسر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه، فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين) أو كما قال. وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا بدأت باكورة أشجارهم أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبرك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده، فأعطاه ذلك، علما منه بشدة تشوقه إلى ذلك، وهذا كله، مع إمكان الإعطاء. فإن لم يمكن ذلك لكونه حق سفهاء، أو ثم أهم من ذلك فليقولوا لهم * (قولا معروفا) * يردونهم ردا جميلا، بقول حسن، غير فاحش، ولا قبيح. * (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * قيل: إن خطاب لمن يحضر، من حضره الموت وأجنف في وصيته، أن يأمره بالعدل في وصيته، والمساواة فيها بدليل قوله: * (وليقولوا قولا سديدا) * أي: سدادا، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده، بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم. وقيل: إن المراد بذلك، أولياء السفهاء، من المجانين، والصغار، والضعاف، أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية، بما يحبون أن يعامل به من بعدهم، من ذريتهم الضعاف. * (فليتقوا الله) * في ولايتهم لغيرهم، أي: يعاملونهم بما فيه تقوى الله، من عدم إهانتهم، والقيام عليهم، وإلزامهم لتقوى الله. ولما أمرهم بذلك، زجرهم عن أكل أموال اليتامى، وتوعد فقال: على ذلك أشد
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»