على حقه، يدخل في هذا التعدي، مع قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث). ثم ذكر طاعة الله ورسوله، ومعصيتهما، عموما، ليدخل في العموم، لزوم حدوده في الفرائض، أو ترك ذلك فقال: * (ومن يطع الله ورسوله) * بامتثال أمرهما، الذي أعظمه، طاعتهما في التوحيد، ثم الأوامر على اختلاف درجاتها، واجتناب نهيهما، الذي أعظمه الشرك بالله، ثم المعاصي على اختلاف طبقاتها * (ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) *. فمن أدى الأوامر، واجتنب النواهي، فلا بد له من دخول الجنة، والنجاة من النار. * (وذلك الفوز العظيم) * الذي حصل به النجاة، من سخطه وعذابه، والفوز بثوابه ورضوانه، بالنعيم المقيم، الذي لا يصفه الواصفون. * (ومن يعص الله ورسوله) *. إلخ ويدخل في اسم المعصية، الكفر فما دونه من المعاصي. فلا يكون فيها شبهة للخوارج، القائلين بكفر أهل المعاصي. فإن الله تعالى رتب دخول الجنة، على طاعته، وطاعة رسوله. ورتب دخول النار، على معصيته ومعصية رسوله. فمن أطاعه طاعة تامة، دخل الجنة بلا عذاب. ومن عصى الله ورسوله، معصية تامة، يدخل فيها الشرك، فما دونه، دخل النار وخلد فيها. ومن اجتمع فيه معصية وطاعة، كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية. وقد دلت النصوص المتواترة، على أن الموحدين، الذين معهم طاعة التوحيد، غير مخلدين في النار. فما معهم من التوحيد، مانع لهم من الخلود فيها. * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) * أي: النساء * (اللاتي يأتين الفاحشة) * أي: الزنا. فوصفها بالفاحشة، لشناعتها وقبحها. * (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) * أي: من رجالكم المؤمنين العدول. * (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) * احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضا، فإن الحبس، من جملة العقوبات. * (حتى يتوفاهن الموت) * أي: هذا منتهى الحبس. * (أو يجعل الله لهن سبيلا) * أي: طريقا غير الحبس في البيوت. فهذه الآية ليست منسوخة، فإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت. فكان الأمر في أول الإسلام كذلك، حتى جعل الله لهن سبيلا، وهو رجم المحصن والمحصنة وجلد غير المحصن والمحصنة. * (و) * كذلك * (اللذان يأتيانها) * أي: الفاحشة * (منكم) * من الرجال والنساء * (فآذوهما) * بالقول والتوبيخ والتعيير، والضرب الرادع عن هذه الفاحشة. فعلى هذا كان الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته للموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح. ولهذا قال: * (فإن تابا) * أي: رجعا عن الذنب الذي فعلاه، وندما عليه، وعزما أن لا يعودا * (وأصلحا) * العمل الدال على صدق التوبة * (فأعرضوا عنهما) * أي: عن أذاهما * (إن الله كان توابا رحيما) * أي: كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة والإحسان، الذي من إحسانه وفقهم للتوبة، وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الآيتين، أن بينة الزنا، أن تكون أربعة رجال مؤمنين. ومن باب أولى وأحرى، اشتراط عدالتهم. لأن الله تعالى، شدد في أمر هذه الفاحشة، سترا لعباده. حتى إنه، لا يقبل فيها النساء منفردات، ولا مع الرجال، ولا مع دون أربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك، الأحاديث الصحيحة وتومىء إليه هذه الآية لما قال: * (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) *. لم يكتف بذلك حتى قال: * (فإن شهدوا) * أي: لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانا، من غير تعريض، ولا كناية. ويؤخذ منهما، أن الأذية بالقول والفعل، والحبس، قد شرعه الله، تعزيرا لجنس المعصية، الذي يحصل به الزجر. * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأول ئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما * وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أول ئك اعتدنا لهم عذابا أليما) * توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها، بعد وجودها من العبد. فأخبر هنا أن التوبة المستحقة على الله، حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي * (بجهالة) * أي: جهالة منه لعاقبتها، وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه، لنظر الله ومراقبته له، وجهل منه، بما تؤول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه. فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار، وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم، شرط لكونها معصية، معاقبا عليها. * (ثم يتوبون من قريب) * يحتمل أن يكون المعنى: ثم
(١٧١)