تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٦
واليوم الآخر الذي يحشر المرء فيه مع من أحب أن يهجروا الجميع بالمرة، وليس المراد بمن ذكر خصوصهم وإنما المراد الأقارب مطلقا، وقدم الآباء لأنه يجب على أبنائهم طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف، وثنى بالأبناء لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم، وثلث بالأخوان لأنهم الناصرون لهم: أخاك أخاك إن من لا أخا له * كساع إلى الهيجاء بغير سلاح وختم بالعشيرة لأن الاعتماد عليهم والتناصر بهم بعد الإخوان غالبا: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا وقرأ أبو رجاء - وعشائرهم - بالجمع * (أولئك) * إشارة إلى الذين لا يوادونهم وإن كانوا أقرب الناس إليهم وأمسهم رحما بهم وما فيه من معنى البعد لرفعة درجتهم في الفضل، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى:
* (كتب في قلوبهم الاإيمان) * أي أثبته الله تعالى فيها ولما كان الشيء يراد أولا ثم يقال ثم يكتب عبر عن المبدأ بالمنتهى للتأكيد والمبالغة، وفيه دليل على خروج العمل من مفهوم - الإيمان - فإن جزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعا، ولا شيء من أعمال الجوارح يثبت فيه.
وقرأ أبو حيوة. والمفضل عن عاصم * (كتب) * مبنيا للمفعول * (الإيمان) * بالرفع على النيابة عن الفاعل.
* (وأيدهم) * أي قواهم * (بروح منه) * أي من عنده عز وجل على أن من ابتدائية، والمراد بالروح نور القلب وهو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده تحصل به الطمأنينة والعروج على معارج التحقيق، وتسميته روحا مجاز مرسل لأنه سبب للحياة الطيبة الأبدية، وجوز كونه استعارة، وقول بعض الأجلة: إن نور القلب ما سماه الأطباء روحا وهو الشعاع اللطيف المتكون في القلب - وبه الإدراك - فالروح على حقيقته ليس بشيء كما لا يخفى، أو المراد به القرآن على الاحتمالين السابقين، واختيرت الاستعارة أو جبريل عليه السلام وذلك يوم بدر، وإطلاق الروح عليه شائع أقوال.
وقيل: ضمير * (فيه) * للإيمان، والمراد بالروح الإيمان أيضا، والكلام على التجريد البديعي - فمن - بيانية أو ابتدائية على الخلاف فيها، وإطلاق الروح على الإيمان على ما مر؛ وقوله تعالى: * (ويدخلهم) * الخ بيان لآثار رحمته تعالى الأخروية إثر بيان ألطافه سبحانه الدنيوية أي ويدخلهم في الآخرة.
* (جن‍ات تجري من تحتها الأنه‍ار خ‍الدين فيها) * أبد الآبدين، وقوله تعالى: * (رضي الله عنهم) * استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض سبحانه عليهم من آثار رحمته عز وجل العاجلة والآجلة، وقوله تعالى: * (ورضوا عنه) * بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلا وآجلا، وقوله تعالى: * (أول‍ائك حزب الله) * تشريف لهم ببيان اختصاصهم به تعالى، وقوله سبحانه: * (ألا إن حزب الله هم المفلحون) * بيان لاختصاصهم بسعادة الدارين، والكلام في تحلية الجملة - بإلا. وإن - على ما مر في أمثالها، والآية قيل: نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»