تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ٤٣
وهذه الجملة إما نفس الجزاء، وقد حذف منه العائد إلى من عند من يلتزمه أي شديد العقاب له أو تعليل للجزاء المحذوف أي يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب، وأيا ما كان فالشرطية تكملة لما قبلها وتقرير لمضمونه وتحقيق للسببية بالطريق البرهاني كأنه قيل: ذلك الذي نزل وسينزل بهم من العقاب بسبب مشاقتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل من يشاق الله تعالى كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذا لهم عقاب شديد.
* (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قآئمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الف‍اسقين) *.
* (ما قطعتم من لينة) * هي النخلة مطلقا على ما قال الحسن. ومجاهد. وابن زيد. وعمرو بن ميمون. والراغب وهي فعلة من اللون وياؤها مقلوبة من واو لكسر ما قبلها كديمة، وتجمع على ألوان، وقال ابن عباس. وجماعة من أهل اللغة: هي النخلة ما لم تكن عجوة، وقال أبو عبيدة. وسفيان: ما تمرها لون وهو نوع من التمر، قال سفيان: شديد الصفرة يشف عن نواه فيرى من خارج، وقال أبو عبيدة أيضا: هي ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برنى، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: هي العجوة، وقال الأصمعي: هي الدقل، وقيل: هي النخلة القصيرة، وقال الثوري: الكريمة من النخل كأنهم اشتقوها من اللين فتجمع على لين، وجاء جمعها ليانا كما في قول أمرىء القيس: وسالفة كسحوق الليا * ن أضرم فيه القوي السعر وقيل: هي أغصان الأشجار للينها، وهو قول شاذ، وأنشدوا على كونها بمعنى النخلة سواء كانت من اللون أو من اللين قول ذي الرمة: كأن قنودي فوقها عش طائر * على لينة سوقاء تهفو جنوبها ويمكن أن يقال: أراد باللينة النخلة الكريمة لأنه يصف الناقة بالعراقة في الكرم فينبغي أن يرمز في المشبه به إلى ذلك المعنى، و * (ما) * شرطية منصوبة - بقطعتم - و * (من لينة) * بيان لها، وأنث الضمير في قوله تعالى: * (أو تركتموها قائمة على أصولها) * أي أبقيتموها كما كانت ولم تتعرضوا لها بشيء ما، وجواب الشرط قوله سبحانه: * (فبإذن آلله) * أي فذلك أي قطعها أو تركها بأمر الله تعالى الواصل إليكم بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بإرادته سبحانه ومشيئته عز وجل، وقرأ عبد الله. والأعمش. وزيد بن علي - قوما - على وزن فعل كضرب جمع قائم، وقرىء - قائما - اسم فاعل مفذكر على لفظ ما، وأبقى أصولها على التأنيث، وقرىء - أصلها - بضمتين، وأصله * (أصولها) * فحذفت الواو اكتفاءا بالضمة أو هو كرهن بضمتين من غير حذف وتخفيف.
* (وليخزي الف‍اسقين) * متعلق بمقدر على أنه علة له وذلك المقدر عطف على مقدر آخر أي ليعز المؤمنين وليخزي الفاسقين أي ليذلهم أذن عز وجل في القطع والترك، وجوز فيه أن يكون معطوفا على قوله تعالى: * (باذن الله) * وتعطف العلة على السبب فلا حاجة إلى التقدير فيه، والمراد - بالفاسقين - أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب، ووضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بعلة الحكم، واعتبار القطع والترك في المعلل هو الظاهر وإخزاؤهم بقطع اللينة لحسرتهم على ذهابها بأيدي أعدائهم المسلمين وبتركها لحسرتهم على بقائها في أيدي أولئك الأعداء كذا في الانتصاف.
قال بعضهم: وهاتان الحسرتان تتحققان كيفما كانت المقطوعة والمتروكة لأن النخل مطلقا مما يعز على أصحابه فلا تكاد تسمح أنفسهم بتصرف أعدائهم فيه حسبما شاؤوا وعزته على صاحبه الغارس له أعظم من عزته
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»