القول على ظاهره وهو حسن إلا أن التغابن فيه تغابن السعداء والأشقياء على التقابل، والأحسن الإطلاق، وتغابن السعداء على الزيادة ثبت في الصحاح، واختار ذلك محي السنة حيث قال: التغابن تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ، والمراد بالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة فيظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان، قال الطيبي: وعلى هذا الراغب حيث قال: الغبن أن يبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء فإن كان ذلك في مال يقال: غبن فلان بضم الغين وكسر الباء، وإن كان في رأي يقال: غبن بفتح الغين وكسر الباء، و * (يوم التغابن) * يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله تعالى: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * (البقرة: 207) وقوله سبحانه: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * وقوله عز وجل: * (الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * (آل عمران: 77) فعلم أنهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا انتهى، والجملة مبتدأ وخبر، والتعريف للجنس، وفيها دلالة على استعظام ذلك اليوم وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن جلت وعظمت.
* (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا) * أي عملا صالحا * (يكفر) * أي الله تعالى * (عنه سيئاته) * في ذلك اليوم * (ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) * أي مقدرين الخلود فيها، والجمع باعتبار معنى * (من) * كما أن الإفراد باعتبار لفظه، وقرأ الأعرج. وشيبة. وأبو جعفر. وطلحة. ونافع. وابن عامر. والمفضل عن عاصم. وزيد بن علي. والحسن بخلاف عنه - نكفر. وندخله - بنون العظمة فيهما * (ذلك) * أي ما ذكر من تكفير السيآت وإدخال الجنات * (الفوز العظيم) * الذي لا فوز وراءه لانطوائه على النجاة من أعظم الهلكات والظفر بأجل الطلبات.
* (والذين كفروا وكذبوا بااياتنآ أولائك أصحابالنار خالدين فيها وبئس المصير) *.
* (والذين كفروا وكذبوا بأيتنا أولائك أصحابالنار خالدين فيها وبئس المصير) * أي النار، وكأن هذه الآية - والتي قبلها لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء - بيان للتغابن على تفسيره بتغابن الفريقين على التقابل ولما فيه من التفصيل نزل منزلة المغاير فعطف بالواو وكذا على الإطلاق لكنه عليه بيان في الجملة.
* (مآ أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شىء عليم) *.
* (ما أصاب من مصيبة) * أي ما أصاب أحدا مصيبة على أن المفعول محذوف، و * (من) * زائدة، و * (مصيبة) * فاعل، وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى: * (ما تسبق من أمة أجلها) * (الحجر: 5) * (وما تأتيهم من آية) * (الأنعام: 4) والمراد - بالمصيبة - الرزية وما يسوء العبد في نفس. أو مال. أو ولد. أو قول. أو فعل أي ما أصاب أحدا من رزايا الدنيا أي رزية كانت * (إلا بإذن الله) * أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز وجل كأن الرزية بذاتها متوجهة إلى العبد متوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا، وجوز أن يراد - بالمصيبة - الحادثة من شر أو خير، وقد نصوا على أنها تستعمل فيما يصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل: إنها في الأول: من الصوب أي المطر، وفي الثاني: من إصابة السهم، والأول هو الظاهر، وإن كان الحكم بالتوقف على الإذن عاما.
* (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) * عند إصابتها للصبر والاسترجاع على ما قيل، وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمر الله تعالى ويرضى بها، وعن ابن مسعود قريب منه، وقال ابن عباس: * (يهد قلبه) * لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقيل: * (يهد قلبه) * أي يلطف به ويشرحه لازدياد