تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٨ - الصفحة ١١٢
وقوله تعالى: * (هم العدو) * استئناف أي هم الكاملون في العداوة والراسخون فيها فإن أعدى الأعادي العدو المداجى الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوى ككثير من أبناء الزمان * (فاحذرهم) * لكونهم أعدى الأعادي ولا تغترن بظاهرهم، وجوز الزمخشري كون * (عليهم) * صلة * (صيحة) * و * (هم العدو) * والمفعول الثاني - ليحسبون - كما لو طرح الضمير على معنى أنهم يحسبون الصيحة نفس العدو، وكان الظاهر عليه هو أو هي العدو لكنه أتى بضمير العقلاء المجموع لمراعاة معنى الخبر أعني العدو بناءا على أنه يكون جمعا ومفردا وهو هنا جمع، وفيه أنه تخريج متكلف بعيد جدا لا حاجة إليه وإن كان المعنى عليه لا يخلو عن بلاغة ولطف، ومع ذلك لا بساعد عليه ترتب * (فاحذرهم) * لأن التحذير منهم يقتضي وصفهم بالعداوة لا بالجبن * (ق‍اتلهم الله) * أي لعنهم وطردهم فإن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها، وكذلك الطرد عن رحمة الله تعالى والبعد عن جنابه الأقدس منتهى عذابه عز وجل وغاية نكاله جل وعلا في الدنيا والآخرة، والكلام دعاء وطلب من ذاته سبحانه أن يلعنهم ويطردهم من رحمته تعالى، وهو من أسلوب التجريد فلا يكون من إقامة الظاهر مقام الضمير لأنه يفوت به نضارة الكلام، أو تعليم للمؤمنين أن يدعو عليهم بذلك فهو على معنى قولوا: قاتلهم الله، وجوز أن لا يكونوا من الطلب في شيء بأن يكون المراد أن وقوع اللعن بهم مقرر لا بد منه، وذكر بعضهم أن قاتله الله كلمة ذم وتوبيخ، وتستعملها العرب في موضع التعجب من غير قصد إلى لعن، والمشهور تعقيبها بالتعجب نحو قاتله الله ما أشعره، وكذا قوله سبحانه هنا: * (قاتلهم الله) *.
* (أني يؤفكون) * وهذا تعجيب من حالهم، أي كيف يصرفون عن الحق إلى ما هم عليه من الكفر والضلال؟ فأني ظرف متضمن للاستفهام معمول لما بعده، وجوز ابن عطية كونه ظرفا - لقاتلهم - وليس هناك استفهام، وتعقبه أبو حيان بأن * (أني) * لا تكون لمجرد الظرفية أصلا، فالقول بذلك باطل.
* (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) *.
* (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم) * أي عطفوها وهو كناية عن التكبر والاعراض على ما قيل؛ وقيل: هو على حقيقته أي حركوها استهزاءا، وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج * (ورأيتهم يصدون) * يعرضون عن القائل أو عن الاستغفار * (وهم مستكبرون) * عن ذلك.
روي أنه لما صدق الله تعالى زيد بن أرقم فيما أخبر به عن ابن أبي مقت الناس ابن أبي ولامه المؤمنون من قومه، وقال بعضهم له: امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف بذنبك يستغفر لك فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي، وقال لهم: لقد أشرتم علي بالإيمان فآمنت، وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أخرجه عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عن ابن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " تب " فجعل يلوي رأسه فأنزل الله تعالى: * (وإذا قيل لهم) * الخ، وفي حديث أخرجه الإمام أحمد. والشيخان. والترمذي. والنسائي. وغيرهم عن زيد بعد نقل القصة إلى أن قال: حتى أنزل الله تعالى تصديقي في * (إذا جاءك المنافقون) * (المنافقون: 1) ما نصه فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم، فجمع الضمائر: إما على ظاهره، وإما من باب بنو تميم قتلوا فلانا، وإذا على ما مر، و * (يستغفر) * مجزوم في جواب الأمر، و * (رسول الله) *
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 117 118 ... » »»