وأمة النبي إذا طلقتم، وأيا ما كان فالمعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف للفعل منزلة الشارع فيه، واتفقوا على أنه لولا هذا التجوز لم يستقم الكلام لما فيه من تحصيل الحاصل، أو كون المعنى إذا طلقتم فطلقوهن مرة أخرى وهو غير مراد، وقال بعض المحققين: لك أن تقول: لا حاجة إلى ذلك بل هو من تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة على اللزوم كما يقال: إن ضربت زيدا فاضربه ضربا مبرحا لأن المعنى إن يصدر منك ضرب فليكن ضربا شديدا، وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر انتهى، وأنت تعلم أن المتبادر فيما ذكره كونه على معنى الإرادة أيضا * (فطلقوهن لعدتهن) * أي لاستقبال عدتهن، واللام للتوقيت نحو كتبته لأربع ليال يقين من جمادى الأولى، أو مستقبلات لها على ما قدره الزمخشري، وتعقبه أبو حيان بما فيه نظر واعتبار الاستقبال رأي من يرى أن العدة بالحيض وهي القروء في آية البقرة - كالإمام أبي حنيفة - ليكون الطلاق في الطهر وهو الطلاق المأمور به، والمراد بالأمر بإيقاعه في ذلك النهي عن إيقاعه في الحيض.
وقد صرحوا جميعا بأن ذلك طلاق بدعى حرام، وقيد الطهر بكونه لم يجامعن فيه، واستدل لذلك، ولاعتبار الاستقبال بما أخرجه الإمامان: مالك. والشافعي. والشيخان. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه. وآخرون عن ابن عمر " أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء.
وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم - يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن - وكان ابن عمر كما أخرج عنه ابن المنذر. وغيره يقرأ كذلك، وكذلك ابن عباس، وفي رواية عنهما أنهما قرآ لقبل عدتهن. ومن يرى أن العدة بالاطهار - وهي القروء - في تلك الآية كالإمام الشافعي يعلق لام التوقيت بالفعل ولا يعتبر الاستقبال، واعترض على التأويل بمستقبلات لعدتهن بأنه إن أريد التلبس بأولها فهو للسافعي، ومن يرى رأيه لا عليه وعلى الخالف لا له، وإن أريد المشارفة عادة فخلاف مقتضى اللفظ لأن اللام إذا دخلت الوقت أفادت معنى التأقيت والاختصاص بذلك الوقت لا استقبال الوقت، وعلى الاستدلال بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى عله وسلم حسبما تضمنه الحديث السابق بأن قبل الشيء أو له نقيض دبره فهي مؤكدة لمذهب الشافعي لا دافعة له، ويشهد لكون العدة بالإطهار قراءة ابن مسعود - لقبل طهرهن - ومنهم من قال: التقدير لاطهار عدتهن، وتعقب بأنه إن جعلت الإضافة بمعنى - من - دل على أن القرء هو الحيض والطهر معا، وإن جعلت بمعنى اللام فيكفي ما في قولك لإطهار الحيض من التنافر ردا مع ما فيه من الإضمار من غير دليل.
وفي الكشاف المراد - أي من الآية - أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن وهو أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعد من الندم، ويدل عليه ما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يطلقها للسنة إلا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدة، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا في ثلاثة أطهار، وقال مالك: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو مفروقة، وأما أبو حنيفة. وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد