من هذه الآية لإيمائها إلى أن من لا يتوكل على الله تعالى ليس بمؤمن، وهي على ما قال الطيبي: كالخاتمة والفذلكة لما تقدم، وكالمخلص إلى مشرع آخر.
* (ياأيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) *.
* (ياأيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) * أي إن بعضهم كذلك فمن الأزواج أزواجا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولادا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى، وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها، ومن أفسدت عقله بإطعام بعض المفسدات للعقل، ومن كسرت قارورة عرضه، ومن مزقت كيس ماله - ومن، ومن - وكذا من الأولاد من فعل نحو ذلك * (فاحذروهم) * أي كونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم، والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع نحو قوله تعالى: * (فإنهم عدو لي) * فالمأمور به الحذر عن الكل، أو للأزواج، والأولاد جميعا، فالمأمور به إما الحذر عن البعض لأن منهم من ليس بعدو، وإما الحذر عن مجموع الفريقين لاشتمالهم على العدو * (وإن تعفوا) * عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا، أو بأمور الدين لكن مقارنة للتوبة بأن لم تعاقبوهم عليها * (وتصفحو ا) * تعرضوا بترك التثريب والتعيير * (وتغفروا) * تستروها بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها * (فإن الله غفور رحيم) * قائم مقام الجواب، والمراد يعاملكم بمثل ما عملتم، ويتفضل عليكم فإنه عز وجل * (غفور رحيم) * ولما كان التكليف ههنا شاقا لأن الأذى الصادر ممن أحسنت إليه أشد نكاية وأبعث على الانتقام ناسب التأكيد في قوله سبحانه: * (وإن تعفو) * الخ، وقال غير واحد: إن عداوتهم من حيث إنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم، وقد يحملونهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم كما روي عنه صلى الله عليه وسلم: " يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك ".
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببا لذلك وإن لم يطلبوه منه فيهلك، وسبب النزول أوفق بهذا القول.
أخرج الترمذي. والحاكم وصححاه. وابن جرير. وغيرهم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم) * الخ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية؛ وفي رواية أخرى عنه أنه قال: كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأته وولده فيقول: أما والله لئن جمع الله تعالى بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلن ولأفعلن فجمع الله عز وجل بينهم في دار الهجرة فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم) * الآية.
وقيل: إنهم قالوا لهم لئن جمعنا الله تعالى في دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فنزلت، وعن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهله أولاده فثبطوه وشكوا إليه فراقه فرق ولم يغز، ثم إنه ندم فهم بمعاقبتهم فنزلت، واستدل بها على أنه لا ينبغي للرجل أن يحقد على زوجه وولده إذا جنوا معه جناية وأن لا يدعو عليهم.
* (إنمآ أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) *.
* (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * أي بلاء